طلاب أم عمال؟ طلاب الطب في الجامعة اللبنانية على خط المواجهة في نظام صحي متداعٍ
لم يكن مجد يتدرب في المستشفى إلا لبضعة أشهرٍ فقط في عام ٢٠١٨ عندما كُلّف بمرافقة مريض في سيارة إسعاف لنقله إلى المستشفى. لكن كانت هناك مشكلة واحدة: لم يتم تعليم طالب الطب في السنة السادسة - كيفية التعامل مع هذا النوع من الحالات.
"أعطوني معدّات الإسعافات الأوّلية ولم أكن أعرف كيف استعملها"، يخبرنا الشاب البالغ من العمر ٢٥ سنة. "لو حدث أي شيء للمريض أثناء نقله بسيارة الإسعاف، لما استطعت أن أفعل أي شيء أو أن أعرف ما يجب فعله."
إن تجربة مجد أبعد من أن تكون فريدة من نوعها، فطلاب الطب في الجامعة اللبنانية الذين تحدثوا إلى مصدر عام وجدوا أنفسهم في أوضاع مماثلة، حيث اضطروا إلى اتخاذ قرارات لم يكونوا مؤهلين لها، من دون إشراف أو دعم من جامعتهم أو المستشفيات حيث كان يفترض أن يتعلموا أصول العمل وأساسياته.
طلاب الطب في الجامعة اللبنانية اضطروا إلى اتخاذ قرارات لم يكونوا مؤهلين لها، من دون إشراف أو دعم من جامعتهم أو المستشفيات حيث كان يفترض أن يتعلموا أصول العمل وأساسياته.
بدأ نور عمله كمتدرب في عام ٢٠١٨، ودُفع فورًا إلى العمل في مهمات لم يكتسب المهارات اللازمة لها بعد.
"وصلت في يومي الأول إلى المستشفى في غاية الارتباك، وبدأت مباشرة بالعمل المكتبي ككتابة تقارير المرضى وإعداد ملفات طبية، والتواصل مع شركات التأمين..." كان على نور أن يتعلم كل هذا بنفسه دون أي توجيه أو مساعدة.
ينتمي مجد ونور إلى مجموعة كبيرة من الطلاب الذين يتقاضون أجورًا متدنية ولا يتمتعون بالحماية وفوق كل هذا يتحملون وطأة الأزمات المتعددة في نظام الرعاية الصحية في لبنان منذ عام ٢٠١٩.
وقف الطلاب في الصفوف الأمامية في مواجهة جائحة كوفيد-١٩؛ وكان عليهم أن يعملوا بالرغم من النقص الحاد في المعدات الطبية بسبب انخفاض قيمة العملة اللبنانية؛ وأن يعيشوا بأجور هزيلة في وسط التضخم المالي المخيف؛ وأن يتعاملوا مع انفجار مرفأ بيروت الكارثي في ٤ آب ٢٠٢٠. الآن، يتعين عليهم أيضًا أن يواجهوا هذه الأزمات لوحدهم، خاصةً مع موجة هجرة الأطباء والمتخصصين في المجال الطبي بأعدادٍ هائلة.
في فم التنّين
على الورق، يكمل طلاب الجامعة اللبنانية خمس إلى ست سنوات من التعليم الطبي في الصفوف قبل أن يبدأوا فترة التدريب في المستشفيات الشريكة، بينما يواصلون حضور الدروس والمؤتمرات، كما على الأطباء المقيمين أن يرافقوهم طوال فترة تدريبهم، بحيث لا يتحمل المتدربون مسؤوليات كبيرة في علاج المرضى، إذ يشرف الأطباء المقيمون على الطلاب المتدربين ويوجهونهم ويتدخلون عند الضرورة.
بعد عامين من العمل كمتدربين، يحصل طلاب الطب على إذن مزاولة المهنة ويصبحون أطباء مقيمين، ثم يبدأون بعد ذلك في التخصص في المجال الذي يختارونه. يتمتع الأطباء المقيمون بقدر أكبر قليلًا من حرية التصرف والمسؤولية، ولكن يفترض أن يظلوا مسؤولين أمام الأطباء الأكثر خبرة وأن يتلقوا التوجيه المستمرّ.
ولكن على أرض الواقع، يواجه طلاب الطب في الجامعة الحكومية الوحيدة في البلاد واقعًا مختلفًا، سواء كمتدربين أو كمقيمين.
على الرغم من أنه يجب معاملة جميع الطلاب بمساواة، إلا أن نور صُدم أثناء تناوبهم في مستشفى جامعي بالمعاملة التفضيلية بين طلاب الجامعات العامة والجامعات الخاصة.
على الرغم من أنه يجب معاملة جميع الطلاب بمساواة، إلا أن نور صُدم أثناء تناوبهم في مستشفى جامعي بالمعاملة التفضيلية بين طلاب الجامعات العامة والجامعات الخاصة.
"كان لدى هؤلاء الطلاب أطباء يتابعون معهم ويعلمونهم، ويشرحون لهم كل شيء"، ويكمل نور قائلًا: "كانوا يذهبون لرؤية المرضى معًا، ويراجعون الملفات الطبية سوياً خلال اجتماعاتٍ في الكافتيريا".
في الوقت نفسه، يتم تجاهل نور وزملائه من الجامعة اللبنانية. كان الأطباء المشرفون يتصرفون بانزعاج عندما يتصل بهم طلاب الجامعة اللبنانية الذين يبحثون عن الإرشاد. قال مجد لمصدر عام أن طبيبًا قد صرخ فيهم عندما اتصلوا به للسؤال حول العناية بأحد مرضى الطبيب ذاته.
درست شانتال عكاري الطب في جامعة الروح القدس في الكسليك، وتعمل حاليا في مستشفى الجامعة الأميركية كمقيمة في قسم الأشعة. تقول لمصدر عام أن إدارة مستشفى الجامعة الأميركية تعامل الأطباء المقيمين على قدم المساواة، بغض النظر عن المكان الذي أكملوا فيه دراساتهم الطبية، إلا أنها قد لاحظت فرقًا في تدريب الجامعات الخاصة والعامة لطلابها ومعاملتهم.
تقول شانتال، الطبيبة المقيمة في السنة الثالثة: "لا يحصل طلاب الجامعة اللبنانية على نفس الإشراف والدعم الذين نحصل عليهما. عندما يكون الطلاب في سنتهم الأخيرة في الجامعة اللبنانية، يكملون المهمات لوحدهم، دون وجود أطباء جانبهم".
وتضيف شانتال: "هذا ممنوع بالكامل في مستشفى الجامعة الأميركية، فإذا كنا طلاب طب، لا يُسمح لنا أن نقدم أي وصفة علاج أو أي شيء آخر دون أن يشترك أحد المقيمين في التوقيع على كل شيء. هذا مهم جدًا ويؤثر على صحة المرضى وسلامتهم".
ساعات عمل طويلة وأجور منخفضة
على جميع طلاب الطب أن يعملوا حوالي ثمانين ساعة في الأسبوع. خلال الدوام الصباحي، على المقيمين أن يعملوا من الساعة الثامنة صباحًا حتى الساعة الثالثة أو الرابعة عصرًا، إذ يتنقلون من غرفة إلى أخرى خلال الجولات الصباحية، ويفحصون المرضى في المستشفى، ويطّلعون على نتائج المختبر والأشعة السينية، ثم يعطون الأطباء موجزًا حول مرضاهم، لينتقلوا من بعدها إلى الأعمال المكتبية المتعلقة بتقارير التأمين الصحي والملفات الطبية وما إلى ذلك.
كما على المقيمين أيضًا تغطية النوبة الليلية مرة واحدة كل ثلاثة أيام، حيث يتم تكليفهم عادة بالعمل في غرفة الطوارئ، وبمجرد انتهاء الدوام المسائي، عليهم البقاء في المستشفى لتغطية الجولات الصباحية، ولا يمكنهم المغادرة قبل الظهر، مما يفضي إلى مناوبات مدتها ٢٨ ساعة مرتين في الأسبوع.
قد تستمر هذه النوبات لأسابيع وليالي لدى البعض. كان مجد يتولى مهمات ليلية إضافية كمقيم في غرفة الطوارئ في مستشفيات مختلفة لتغطية نفقاته المعيشية.
عندما بدأ مجد العمل في المستشفى كمتدرب في عام ٢٠١٨، كان متدربو السنة الأولى في الجامعة اللبنانية يتقاضون ٦٠٠ ألف ليرة لبنانية شهريًا، أي أقل من الحد الأدنى للأجور في ذلك الوقت البالغ ٦٧٥ ألف ل.ل. — أي ما يعادل ٤٥٠ دولارًا حينها، لكن بالكاد يبلغ ٢٨ دولارًا على سعر السوق الموازي عندما كتبت هذه المادة. أما متدربو السنة الثانية فكانوا يتقاضون ٧٠٠ ألف ل.ل.؛ والمقيمون في السنة الأولى ١٫٢ مليون ل.ل. والمقيمون في السنة الثانية ١٫٣٥ مليون ل.ل. في حين أن هذه الأجور كانت تسمح للطلاب بأن يقضوا حاجاتهم الضرورية، إلا أنها سرعان ما فقدت قيمتها فيما غرقت البلاد في أزمة اقتصادية.
في أيار ٢٠٢٠، بدأت العديد من المستشفيات المتعاقدة مع الجامعة اللبنانية في إلغاء العقود، مما خاطر بمستقبل الطلاب العلمي والمهني. مُنح فقط نصف المتدربين الطبيين في الجامعة اللبنانية إقامات، بهدف تخفيض النفقات وسط التدهور المالي.
وكي يستمر تقديم فرص التدريب والإقامة لجميع الطلاب، يقول نور ومجد إن إدارة الجامعة اللبنانية توصلت إلى اتفاق مع المستشفيات - بعد بضعة أشهر من المحادثات - بعدم دفع رواتب المتدربين في السنة الأولى. في المقابل، وُعد المقيمون بتعديل أجورهم وفقًا لسعر الصرف الجديد - في ذلك الوقت، كان سعر الصرف لدى البنوك ٣٩٠٠ ل.ل. للدولار الواحد، بينما كانت رواتبهم لا تزال تتبع سعر الصرف القديم البالغ ١٥٠٠ ل.ل. للدولار. بعد مرور عام كامل، لم تفِ المستشفيات والجامعة بوعودها.
شعر طلاب الطب بالإحباط من الحلقة المفرغة بين المستشفيات والجامعة، التي ألقت إداراتهما المسؤولية على بعضهما البعض، وبدأوا في التفكير بإمكانية الدخول في إضراب. ولكن بمجرد أن علمت الإدارة بخططهم، هددتهم بعدم الاعتراف بفترة التدريب، مما يعني أنهم سيضطرون إلى إعادة السنة، كما هددتهم بتعليق دراستهم.
بمجرد أن علمت الإدارة بخططهم للإضراب، هددتهم بعدم الاعتراف بفترة التدريب، مما يعني أنهم سيضطرون إلى إعادة السنة، كما هددتهم بتعليق دراستهم.
يوضح مجد: "لقد واجهنا الكثير من المعارضة والتهديدات، لذلك كان علينا العودة إلى وظائفنا ووافقوا على تعديل رواتبنا، لكنهم قالوا إنهم لا يستطيعون إعطائنا أكثر من الضُعف. بالطبع تابعنا المطالبة بالمزيد لأن هذا المبلغ لا يزال غير كافٍ، خاصةً مع رفع الدعم عن الوقود والراتب بالكاد يغطي نفقات النقل. لكن تهديداتهم كانت جدية، لذا كان علينا أن نقبل".
شعر العديد من الطلاب بعدم الارتياح لفكرة ترك المستشفيات حيث تعتمد حياة المرضى عليهم بسبب نقص الموظفين المتواصل، فدون طلاب الطب "لن يكون هنالك أحد"، كما يقول مجد.
"الطلاب هم الحلّ"
لم يحدث الإضراب، لكن التهديد به دفع المستشفيات إلى مضاعفة رواتب المقيمين، وهو تعديل طال انتظاره ولم يكن كافيًا نظراً إلى استمرار دوامة انهيار العملة اللبنانية، ولكن كان على الطلاب القبول بالتعديل. تمت الموافقة على الزيادة في آب ٢٠٢١، ودخلت حيّز التنفيذ جزئيًا في تشرين الأول ٢٠٢١، ثم تم تنفيذها بشكل كامل في تشرين الثاني ٢٠٢١.
وعدت المستشفيات الجامعية - التي تدرك أن التعديل لم يكن ملائمًا - بزيادات إضافية بمجرد رفع الدعم عن الوقود من أجل التعويض عن الارتفاع الناري لتكلفة النقل.
مضت أربعة أشهر ولم تتغير رواتب طلاب الطب في الجامعة اللبنانية. في غضون ذلك، اتخذت الجامعات الخاصة إجراءات لزيادة رواتب مقيميها. في شباط ٢٠٢٢، أعلنت الجامعة الأميركية في بيروت عن خطة مالية جديدة لمقيمي السنة الأولى تسمح لهم أن يتقاضوا جزءًا من أجورهم بالدولار، بحيث يصل أجرهم الشهري إلى حوالي ٢٢ مليون ل.ل.، بينما يتقاضى مقيمو الجامعة اللبنانية ٢٫٤ مليون ل.ل.
رفض موظفو كلية الطب في الجامعة اللبنانية الذين تواصلنا معهم الإجابة عن الاستفسارات المتعلقة بالأجور المنخفضة لطلاب الطب من خلال مقارنتها بأجورهم الضئيلة في الجامعة الرسمية التي تعاني من نقص التمويل.
ليس طلاب الجامعة اللبنانية الوحيدين الذين يعانون في نظام الرعاية الصحية في لبنان. سجّل المرصد اللبناني لحقوق العمال والموظفين - المكون من مجموعة من الناشطين والعمال والموظفين والأساتذة والمحامين والنقابيين - زيادة في الحركات الاحتجاجية على مستوى المستشفيات الحكومية خلال العام الماضي.
أسعد سمّور، رئيس قسم التحرير والدراسات في المرصد، أخبر مصدر عام أن "المطالب متنوعة، وتتراوح بين دفع المستحقات والمشاكل المتعلقة بالأجور المنخفضة إلى مطالبات بتأمين مساعدات فورية من وزارة الصحة".
على الرغم من أن طلاب الطب في الجامعة اللبنانية لم يحققوا بالكامل هدفهم في الحصول على أجرٍ معيشي، يعتقد سمور أن تحركهم لإيصال أصواتهم مثّل خطوة مهمة إلى الأمام.
يتابع سمور: "الطلاب هم الحل. وأهم عنصر في حماية حقوقهم هو الحركة الطلابية التي يجب أن تدافع عن مصالحهم".
هجرة الأطباء
ما زاد العبء على الطلاب هو الهجرة الجماعية للعاملين في القطاع الطبي من لبنان في السنوات الأخيرة. بدءاً من أيلول ٢٠٢١، "غادر ما يقرب من ٤٠ بالمئة من الأطباء وحوالي ٣٠ بالمئة من الممرضين المسجلين في البلاد إما بشكلٍ دائم أو مؤقت"، وفقًا لمنظمة الصحة العالمية.
يأسف مجد لغياب الأطباء القلّة الجيدين الذين ساهموا في تعليمهم. يقول: "لم يكن تدريبي جيدًا منذ البداية، ولكن كان هناك بعض الأطباء الجيدون المتحمسون لتعليم الطلاب. والآن غادروا جميعًا ضمن الهجرة الجماعية، مما أثر على تدريبي وتعليمي".
هنالك طلاب أكثر تشاؤمًا في كلية الطب في الجامعة اللبنانية، إذ يقولون أنهم لم يشعروا بتأثير هذه الهجرة الجماعية، حيث لم يكن لديهم سوى القليل من التوجيه والدعم من الأطباء أصلًا. يقول نور: "لم يتغير شيء بالنسبة لي، بخلاف الرقم الذي أتصل به عندما تسوء الأمور بالفعل في المستشفى".
"كنا دائمًا وحدنا".
أخبرتنا البروفيسورة إليان أيوب، المديرة الطبية المساعدة للشؤون الأكاديمية والمسؤولة عن المتدربين والمقيمين في جامعة القديس يوسف في مستشفى أوتيل ديو أنه على الرغم من عدم هجرة الأطباء العاملين في بعض المستشفيات الخاصة، إلا أن هذه الظاهرة ستؤثر حتمًا على التدريب الطبي، وبالتالي على رعاية المرضى.
"إذا لم يكن هناك أطباء، فإن رعاية المرضى ستكون أسوأ، وهذا واضح. وإذا لم يكن هناك أطباء، فإن تدريب الطلاب سيكون أسوأ، وهذا واضح أيضًا".
طلاب أم طلاب عمال أم عمال؟
وسط هذه المصاعب، يبقى سؤال واحد عالقًا في أذهان طلاب الطب بالجامعة اللبنانية: ما هو موقعهم بالتحديد؟
بدون التدريب والإشراف اللازمين، وبدون الحماية والأجور المعيشية المناسبة، يقع المتدربون والمقيمون في الجامعة اللبنانية في ثغرات نظام ليس لديهم موقعًا واضحًا فيه.
يخبر نور مصدر عام: "إذا كان من الأسهل [بالنسبة لهم] معاملتنا كموظفين، فنحن موظفون. وإذا كان الأمر أسهل كطلاب، فإننا نصبح طلابًا. لكنني لست بموظف أو بطالب. انا ليس لدي مكانة واضحة في أي مكان".
"إذا كان من الأسهل [بالنسبة لهم] معاملتنا كموظفين، فنحن موظفون. وإذا كان الأمر أسهل كطلاب، فإننا نصبح طلابًا. لكنني لست بموظف أو بطالب. انا ليس لدي مكانة واضحة في أي مكان." - نور، طالب طب في الجامعة اللبنانية
تمنح الجامعة اللبنانية عقودًا للطلاب كجزء من اتفاقها مع المستشفيات، لكنها لا تعطي الأولوية لاحتياجات الطلاب التعليمية، وفقًا لنور، إذ لا تُكشَف هذه الترتيبات للطلاب الذين تظل شؤون عملهم ومستقبلهم طي المجهول. على سبيل المثال، لا تُذكر الرواتب في العقود، مما يجعل الطلاب غير قادرين على التفاوض على تسعيرة رسمية مع الجامعة أو المستشفى، الذين يستخدمان "التدريب" كذريعة لدفع رواتب متدنية، بحسب نور.
وأكد أحد أعضاء هيئة التدريس في كلية الطب، والذي تحدث شرط عدم الكشف عن هويته لعدم حصوله على إذن للتحدث لوسائل الإعلام من مكتب العميد، أن الطلاب لا يمكنهم الوصول إلى العقود الموقعة من قبل الجامعة والمستشفيات.
وفقًا للمادة ١٩ من قانون العمل اللبناني، يجب على أصحاب العمل دفع رواتب المتدربين اعتبارًا من الشهر الثالث من فترة تدريبهم. يقول الناشط العمالي أسعد سمور إنه من المفترض تطبيق هذه المادة على الطلاب المتدربين والمقيمين سويًا.
"أعتقد أن المستشفيات لا تمنح الطلاب حقوقهم كعاملين بسبب الاتفاقات المبرمة مع الجامعة اللبنانية. بالإضافة إلى ذلك، فإن الامتثال للقانون يحتاج إلى سلطة لمنع أصحاب الأعمال، بما في ذلك المستشفيات، من انتهاك حقوق عمالهم"، يقول سمور، مضيفًا أن الحكومة اللبنانية تفتقر لهذه السلطة، لأن النقابات، والمحاكم القضائية، وإدارة التفتيش في وزارة العمل ضعيفة ولا قوّة فعلية لها.
أظهر الوباء أيضًا كيف أن هذا النسيان يترك طلاب الطب في الجامعة اللبنانية عرضةً للخطر. عندما رفض طلاب العمل في الطوابق المخصصة لمرضى كوفيد-١٩ من باب القلق من نقل العدوى لأسرهم، تم تهديدهم مرة أخرى بعدم الاعتراف بتدريبهم.
يخبر نور مصدر عام: "إنهم يعرضونك للخطر بالإجبار، وليس لديك الحق بالرفض".
لم يتجاوب مسؤولو الجامعة والمستشفيات عندما اتصلنا بهم للتعليق على ظروف عمل طلاب الطب في الجامعة اللبنانية. لم يستجب العميد والأمين العام ورئيس قسم الطب والمنسقون السابقون والحاليون للتدريب السريري لطلبات المقابلات المتكررة عبر البريد الإلكتروني والمكالمات الهاتفية. لم نجدهم حاضرين في مكاتبهم عند الزيارة؛ وأوضح أحد البوابين أن المسؤولين والموظفين يعملون في الحرم الجامعي يومين في الأسبوع لبضعة ساعات فقط. ونفى المدير الطبي لمستشفى خاص مزاعم الطلاب ثم تراجع عن إجاباته بحجة رغبته في توضيح أقواله خلال مقابلة شخصية، ثم توقف عن الرد على أية مكالمات أخرى.
طلاب بلا تمثيل قانوني أو حماية
الجسم الوحيد المكلف رسميًا بحماية حقوق الطلاب هو مجلس طلاب الجامعة اللبنانية. لكن وفقًا للمقيمين الذين تحدثوا إلى مصدر عام، فإن المجلس نفسه المكلف بالدفاع عنهم يعطل زخم التحرك الطلابي ويشتته من أجل حفظ السلام للإدارة.
لا يتم انتخاب ممثلي طلاب الجامعة بشكل ديمقراطي، ويتم تشكيل المجلس على أساس التمثيل الطائفي: لكل دفعة من الطلاب ممثلان وكل منهما من طائفة مختلفة وتابع لحزب سياسي.
يقول مجد لمصدر عام: "شخصيًا لا أعتقد أنهم [أعضاء مجلس الطلبة] عملوا لصالحنا قط".
تحدثت عضو سابق في مجلس الطلبة إلى مصدر عام وقالت أن دورها كان يقتصر على نقل الرسائل من الطلاب إلى الإدارة، وإدارة القضايا اللوجستية كتحديد جداول الاختبارات وطباعة الدروس وتوزيعها، وتنسيق مجموعات العمل، فضلاً عن تنظيم المناسبات الاجتماعية.
"لقد اعتدنا على الاهتمام بالمسائل العامة. على سبيل المثال، إذا شعر الطلاب برغبة في إقامة حفل عشاء أو فعالية خيرية، فإننا بالطبع نساعدهم. أذكر أننا اعتدنا على نصب شجرة عيد الميلاد ومغارة يسوع، وفي عاشوراء، كان الشباب يرتدون ملابس سوداء. اعتدنا أن نتذكر ونحترم طقوس بعضنا البعض"، كما أخبرتنا بفخر.
قالت بيرلا نادر، العضوة السابقة في مجلس الطلبة من ٢٠١٣ إلى ٢٠١٩، بأنها اختيرت من قبل الدفعة القديمة لطلاب الطب لتمثيل طلاب دفعتها طيلة البرنامج.
تابعت القول: "لطالما كان التقليد في الجامعة اللبنانية يتمثل بوجود شخصين كممثلين للدفعة: امرأة مسيحية ورجل مسلم لمساواة التمثيل".
تقول أيضاً: "من المفترض إجراء الانتخابات، لكن قيل لي إن الانتخابات في الجامعة اللبنانية، وخاصةً في فرع الحدث، حساسة للغاية ويمكن أن تخلق مشاكل".
يتفاقم عدم وجود قرار فعلي لممثلي الطلاب لحقيقة أنهم غير قادرين على تتبع التحديات التي يواجهها الطلاب بمجرد انتشارهم في مستشفيات مختلفة من أجل تدريبهم الداخلي.
الافتقار إلى وكالة حقيقية لممثلي الطلاب يزيد من التعقيد على أنهم غير قادرين على متابعة وربط النضالات التي يواجهها الطلاب بمجرد انتشارهم في مستشفيات مختلفة من أجل تدريبهم.
تقول بيرلا لمصدر عام: "لا نعرف ما هو الوصف الوظيفي أو ما هي حقوقنا في المستشفى، إذ أننا كطلاب لا نعرف ما تتضمنه تلك العقود".
"لا نعرف ما هو الوصف الوظيفي أو ما هي حقوقنا في المستشفى، إذ أننا كطلاب لا نعرف ما تتضمنه تلك العقود." - بيرلا نادر، ممثلة الطلاب السابقة
في الوقت نفسه، لا يمكن لطلاب الطب الانضمام إلى نقابة الأطباء قبل الحصول على شهاداتهم الطبية، أي في نهاية السنة السابعة - مما يحرمهم من قناةٍ أخرى للمطالبة بحقوقهم. حتى معظم المقيمين يبقون خارج النقابة بسبب الإجراءات الطويلة والرسوم المكلفة.
يقول أسعد سمور: "برأيي يجب أن يكون هناك دور لنقابة الأطباء، لأنه من غير المقبول معاملة الطلاب الذين سيصبحون أطباء قريبًا بهذه الطريقة".
ويشير سمور إلى أن العمل النقابي لا يقوم فقط على المعرفة بحقوق العمال، ولكن الأهم من ذلك على التضامن.
يتابع: "التضامن هو الركيزة التي يقوم عليها العمل النقابي. هذا الوعي لا يزال يتبلور ولم يصل بعد إلى النقطة التي يمكنه فيها الوقوف بحزم ضد الطائفية التي غرست جذورها في الهوية اللبنانية بسبب النظام السياسي والاقتصادي القائم".
ويضيف سمور: "الحركات الطلابية أكثر فاعلية من النقابات العمالية في النضال من أجل حقوق الطلاب، لأن الطلاب أنفسهم يعرفون مصالحهم ويمكنهم التعبير عن مطالبهم بشكل أفضل".
خيبة أمل بالنظام
أدى الافتقار إلى التدريب والتوجيه، بالتوازي مع غياب الحماية من كل من مجلس الطلبة والنقابة المهنية، إلى جعل العديد من طلاب الطب في الجامعة اللبنانية غير مستعدين للانضمام رسميًا إلى القوى الطبية العاملة.
أنهى مجد ونور فترة التدريب في المستشفى لمدة عامين وحصلا على شهادة الطب، لكنهما وكمقيمين ما زالا حتى الآن يشعران بأنهما غير قادرين على تحمل جميع المسؤوليات الملقاة على عاتقهما - لكنهما يتدبران الأمر لأن رعاية المرضى تعتمد عليهما فقط تقريبًا.
يقول مجد لمصدر عام: "يريدون منا أن نتخذ قرارات مصيرية [بمفردنا] فقط لتجنب الاتصال بالأطباء وإيقاظهم ليلًا".
كلاهما يفكر في مسارات مختلفة في قطاع الرعاية الصحية، بعيدًا عن الممارسة الطبية.
قرر مجد إنهاء إقامته للحصول على الشهادة قبل الالتحاق ببرنامج آخر غير طبي. يقول إنه كان يتوقع المزيد من المتابعة والتدريب الصارم، لكن "تم إرسالنا إلى المستشفيات الجامعية، وهي مستشفيات تعليمية، ولا نحصل حتى على التعليم الأساسي الذي من المفترض أن نحصل عليه".
يقول: "بصراحة، لم أعد أحب ممارسة الطب. بالكاد أتقاضى راتبي، وبالكاد أستطيع الذهاب إلى العمل بسبب أسعار الوقود، وليس هناك دافع للذهاب إلى العمل. إن الأمر أشبه بالاستعباد".
أراد نور أن يصبح طبيبًا لمساعدة المحتاجين. والآن، يقول بإنه قد أدرك بأن الأمور لا تسير كما المتوقع على أرض الواقع، إذ "نرى الظلم ولا يمكننا فعل أي شيء حيال ذلك".
عندما سألنا نور عن كيفية اختلاف تجربته عمّا كان يتوقع عندما بدأ بالدراسة، رد ساخرًا: "كيف كان لي أن أعرف؟ لم أكن لأصدق لو أخبرني أحدهم أن الوضع هكذا".
أجرى نور أبحاثه الخاصة للتخفيف من نقص التوجيه والدعم، لكنه ليس بديلًا عن التدريب المناسب.
يقول: "أشعر أنني أعرف كيف أعمل وأنا جيد في عملي، لكن في أعماقي أشعر وكأنني دجال".
يحلم نور الآن بإيجاد طريقة لتغيير نظام الرعاية الصحية من جذوره.
يخبرنا نور: "العمل لساعات طويلة، التوتر الشديد، واتخاذ قرارات خطيرة تتعلق بالحياة والموت، كلها ليست جديرة بالنظرة الرومانسية، فكلها تمثل ضغطًا لا داعي له، وهو خطير على نفسك والآخرين، ويؤدي إلى استمرار سلسلة الانتهاكات".
"العمل لساعات طويلة، التوتر الشديد، واتخاذ قرارات خطيرة تتعلق بالحياة والموت، كلها ليست جديرة بالنظرة الرومانسية، فكلها تمثل ضغطًا لا داعي له، وهو خطير على نفسك والآخرين، ويؤدي إلى استمرار سلسلة الانتهاكات."
"الاحترام الذي من المفترض أن تحصل عليه كطبيب لا يجعل الأمر أفضل أو يغير حقيقة أنني لا أحصل على تعويض مناسب أو أعامل باحترام في وظيفتي".