Main Content
  شباب يمضون الوقت قرب البحر في منطقة الميناء. طرابلس، لبنان. 28 تِشْرين الأَوَّل ٢٠٢٢. (مروان طحطح، مصدر عام)

شباب يمضون الوقت قرب البحر في منطقة الميناء. طرابلس، لبنان. 28 تِشْرين الأَوَّل ٢٠٢٢. (مروان طحطح، مصدر عام)

حصار في عُرض البحر

ملاحظة من المحررة: يمكن النقر على النقاط السوداء (●) في النص لعرض المستندات التي جُمعت لكتابة هذه المقالة.

هذه ترجمة محررة لسلسلة من ثلاثة أجزاء عنوانها Intercepted at Sea والتي تبحث في الكلفة البشرية لفرض الرقابة الحدودية.

القرار

"ركبنا أنا وأخي قارب الموت معًا".

في آذار ٢٠٢٢، قررت آلاء مثلج الدندشي أن تغادر لبنان. اشترت عائلة زوجها قارباً قبل فترةٍ من الرحلة — كان صغيرًا، لكنه كان قويًا بما يكفي لنقلهم عبر الحدود غير المرئية وشديدة الفتك التي تفصل لبنان عن الاتحاد الأوروبي. كانت آلاء تأمل في الوصول إلى إيطاليا من ثم هولندا، حيث تخطط أن تكمل تعليمها وتعمل بالمحاسبة.

سألها هاشم —  شقيقها الأصغر الذي كان حينها يبلغ من العمر ٢٢ عامًا — إذا كان بإمكانه الانضمام إليها. كان الشقيقان مقربين، واعتقدت آلاء أنه بإمكانهما دعم بعضهما البعض خلال الرحلة القاسية.

لطالما كان هاشم فتى مرح الروح، وفنانًا يحب الغناء والتمثيل والرسم. كان  يحب سماع الموسيقى ويغني حتى ساعات الليل المتأخرة، ويسجل أغاني الحب التي غناها جورج وسوف وتامر حسني وآخرون ويرسلها إلى صديقته. كانت آلاء تسمعه من غرفة نومها، فتفصل جهاز الواي فاي أو ترسل لهاشم الكثير من الرسائل النصية لتوقفه عن الغناء كي تتمكن من النوم. 

"ما عندي شي إخسره. أنا مكتئب، ماما. ليلي ونهاري متل بعضهن،" قال هاشم لوالدته

ولكن بعد الانهيار المالي، لم تعد عائلة هاشم قادرة على تحمل نفقات مدرسته. لم يتبقَ له سوى عام  للتخرج، إلا أنه اضطر إلى ترك الدراسة، فأصيب بالاكتئاب وأمسى ينام حتى الخامسة مساءً. عندما كانت آلاء تشجعه على الخروج، كان يجيبها: "ما عبالي كون مع عالم". كان هاشم موهوبًا وواثقًا بنفسه، حسبما وصفه صديقه المقرب عمر مرعي، لكنه كان يشعر بالإحباط والهزيمة.

قبل أشهرٍ من ركوبه قارب الموت، ملأ هاشم دفتره برسومات متشائمة عكست يأسه العميق: يد مقيدة بحبل المشنقة، قبر فارغ، قارب غارق. [note:1]

A photo collage of three undated drawings by Hashem Mthlej. The first shows a man hiding his face from distorted hands. The second shows a sinking boat next to silos on fire. The third shows a hand trapped in a noose.

تركيب صور يظهر ثلاث رسومات غير مؤرخة لهاشم مثلج. الرسمة الأولى تظهر رجلاً يخفي وجهه من أيدي مشوهة، الرسمة الثانية قارب غارق بجوار صوامع مشتعلة، والثالثة تظهر يد محاصرة في حبل المشنقة. طرابلس، لبنان. (مروان طهطح، مصدر عام)

عندما سمع عن الرحلة إلى إيطاليا، أيقدت الفكرة شعلة آماله بالمستقبل. في لبنان، يدفع الناس  ما يصل إلى ٨٠٠٠ دولار لمثل هذه المحاولات المحفوفة بالمخاطر للوصول إلى أوروبا. ولكن أمكن لهاشم — بصفته شقيق آلاء — أن يذهب مجانًا. لم يكن ليتمكن من تحمل نفقات الرحلة بغير حال. كانت تلك فرصته.

عارضت أم هاشم الرحلة، لكنه أصر. قال لها: "ما عندي شي إخسره. أنا مكتئب، ماما. ليلي ونهاري متل بعضهن".

نهاية الرحلة

عندما أبحروا قرابة السابعة مساءً في ٢٣ نيسان، شعرت آلاء بالخوف، ولكن ضحك هاشم وقال لها: "اسكتي، رح نوصل، بلا نحس". أرسل هاشم لوالديه سيلفي من القارب. كان وجهه الذي أضاءه نور هاتفه الأزرق متوهجًا بترقّب، فيما خفتت أضواء الساحل اللبناني خلفه.

جلس هاشم ومعظم الرجال على ظهر اليخت أو وقفوا عليه. كان الجو باردًا ورطبًا هناك، ولهذا نزلت النساء والأطفال إلى غرفة الركّاب على بعد بضع درجات من السطح. لكن آلاء شعرت بالاختناق في تلك الغرفة الصغيرة المكتظة، فخرجت لتجلس مع زوجها وشقيقها، وكان ذلك القرار الذي ربما أنقذ حياتها.

عند قرابة التاسعة والنصف مساءً، وقبل دقائق فقط من وصول المهاجرين إلى المياه الدولية، اعترضت القوات البحرية اللبنانية قاربهم. اختلف الجميع حول ما حدث بعد ذلك: يقول الناجون إن البحرية صدمت قاربهم، وقال العقيد الركن هيثم ضناوي في مؤتمر صحفي في اليوم التالي إن قبطان قارب المهاجرين تسبب في الاصطدام بمحاولته الفرار من القوات البحرية. اتفق الجميع على أن القاربين اصطدما: القارب المدني الصغير المزدحم ومركب البحرية الأكبر والأقوى. غرق القارب المدني خلال دقائق.

عندما غرق القارب، كانت آلاء متشبثة بزوجها لؤي، لكنها فقدت قبضتها عندما ارتطمت بالمياه  الباردة جداً وفقدت الوعي. ثم استيقظت لتجد نفسها فوق برميل حملها لؤي عليه. كان يمسكها بإحدى ذراعيه ويسبح بالأخرى.

صرخت "هاشم!" سمعته يجيب صارخًا من بعيد، لكنها لم تستطع أن تراه في الظلام.

قال لها: "وينِك؟ ما تختنقي، أنا جاية لعندك".

صاحت مجيبة: "أنا منيحة، إنت وينك؟"

صاح هاشم بأن مركب الجيش يتجه نحوه. استطاعت آلاء أن ترى المركب، لكنه كان بعيدًا، وقالت له أن يصعد عليه.

The report by AusRelief Sons of Lebanon Submarine Mission shows an image of the migrant boat taken during the boat chase at around 9:30 p.m.

صورة لمركب المهاجرين خلال مطاردة الجيش لهم.

عندما أُنقذوا، كان قد غرق حوالي نصف ركاب القارب. "كان صعبًا أن ترى الأطفال يموتون أمامك، ولا يمكنك حتى السباحة، ولا تعرف متى سيأخذ الله روحك"، قالت آلاء وعيناها تلمعان فيما تتذكر ما حصل.

في النهاية، ساعد العساكر في حمل آلاء ولؤي في قارب عسكري صغير. وبمجرد أن صعدت آلاء على متن القارب، سألت عن شقيقها بالاسم. سألها أحد الجنود: "هل كان يرتدي قميصًا أحمر؟ هل شعره طويل وله ندبة على أنفه؟"

قالت نعم، فأجابوها: "ذهب على متن المركب الأول".

أين هاشم؟

عندما وصل مصعب مثلج — ابن عم هاشم — إلى الميناء، رأى بعض الناجين الذين عادوا للتو إلى الشاطئ. أكد له أكثر من شخص أنهم رأوا هاشم حيًا، حتى أن أحدهم قال له: "نفذ [بحياته]". (لم نتمكن من التحقق من هذا الادعاء بشكل مستقل، لأن مصعب لم يكن يعرف الناجين الذين تحدث معهم ليلتها).

أحد جيران آل مثلج ومن أقربائهم البعيدين أقسم أنه رأى هاشم في الميناء بعد الحادث. قال لمصدر عام: "كان مغطى ببطانية للصليب الأحمر". عندما سئل عما إذا كان متأكدًا بأن الشخص الذي رآه هو هاشم، أجاب "بالطبع كان هاشم، أعرف ذلك الفتى منذ زمن طويل".

قال أحد جيران آل مثلج لمصدر عام: "كان [هاشم] مغطى ببطانية للصليب الأحمر".

زادت القائمة غير الرسمية للناجين من يقين العائلة، إذ ضمت اسم "ه. مثلج"، وتناقلتها العائلات عبر تطبيق وتسآب. (حاولنا  تتبع قائمة الوتسآب، ويمكننا أن نقول بأنها صدرت من موقع “لبنان ٢٤” الإخباري في خضم الارتباك ليلتها، ولم يتمكن مراسلو “لبنان ٢٤” من تأكيد مصدر القائمة).

رأى والدا هاشم وعمه وابن عمه اسم هاشم على القائمة وارتاحوا: نجى هاشم، لكن أين هو؟

جلست عائلة مثلج طوال الليل بانتظار عودة هاشم من المستشفى. كانوا على يقين بأنه عاد إلى الشاطئ.

لكن هاشم مثلج ما يزال في عداد المفقودين منذ ٢٣ نيسان.

A smiling young man dressed in black is sitting on a chair and holding up a puppet.

هاشم مثلج ممثل ومحرك دمى مع فرقة شبابيك المسرحية منذ عام ٢٠١٨. اعتاد دائما المزح خلال العروض للتفاعل مع الجمهور وجعلهم يضحكون. طرابلس، لبنان. ٢٨ آذار ٢٠٢١. (حقوق الصورة لشابابيك)

في وقت لاحق ليلتها، نشر أبو هاشم صورة لهاشم على حسابه على فيسبوك وطلب من الناس الاتصال به إذا كانوا قد رأوه. أرسل له شخص غريب رسالة صوتية من امرأة ادعت أنها ممرضة في المستشفى الحكومي في القبة. قالت: "هاشم مع الدولة وهو كتير منيح. كان بالمستشفى الحكومي وأخدوه من الباب الخلفي، بس ما تقولي إنه قلتلك شي". اتصلنا بالمستشفى الحكومي خمس مرات على الأقل وعلى مختلف الأرقام المتوفرة لكنهم لم يردوا قط.

في اليوم التالي لغرق القارب، أعلن الجيش أنه أنقذ ٤٨ ناجياً واعتقل مواطنًا اسمه ر. م. أ. للاشتباه بتهريبه للبشر. خفضت التقديرات اللاحقة عدد الناجين إلى ٤٠، ولم يرد ذكر المعتقل الغامض مرة أخرى. كانت هذه المعطيات وغيرها من المعلومات المتضاربة كافية لإعطاء الأمل لعائلة مثلج: هل يمكن أن يكون هاشم على قيد الحياة وهو رهن الاعتقال لسبب ما؟

المعلومات المتضاربة كافية لإعطاء الأمل لعائلة مثلج: هل يمكن أن يكون هاشم على قيد الحياة وهو رهن الاعتقال لسبب ما؟

بعد أشهر قليلة على المأساة، أخبر أحد الجيران أبا هاشم وعبد الرحمن الرميحي — خال هاشم — بأن لديه أنباء عن هاشم. وكان للجار أحد المعارف الذي اعتقلهم الأمن العام. أخبر الرجل جار أبي هاشم بأنه رأى هاشم وتحدث إليه في قصر العدل بطرابلس.

وفقًا لأبي هاشم والرميحي، فإن الرجل وصف هاتف هاشم ووشمه، وتلك تفاصيل لن تعرفها سوى عائلته. وقال بأن هاشم قال له: "قل لوالديّ أنني محتجز في الحبس الاحتياطي لمخابرات الجيش كشخص مكتوم القيد، وهم لا يصدقون أنني هاشم ولا يسمحون لي بالاتصال بوالديّ لإحضار أوراقي". قال الرجل لجار أبي هاشم إنه سيسجل شهادته ويرسلها إلى عائلة هاشم.

وكما حصل مع كل من شاهد هاشم، تلاشى الرجل الغامض. وبحسب أبي هاشم، فقد أرسل لهم رسالة صوتية يقول فيها: "أنا مسافر ولا أريد أن أتورط في مشكلة مع الأمن العام. لم أرَ أحدًا ولم أتحدث مع أحد" ولم يصلهم منه شيء من بعدها.

نجا واعتُقل

ليست نظرية عائلة هاشم حول الاعتقال مستبعدة: فقد اعتقلت مخابرات الجيش واحتجزت ناجيًا واحدًا على الأقل من مأساة القارب في نيسان.

يوم الأحد ٢٤ نيسان، بعد يوم من مأساة القارب، سمع إبراهيم الجندي — أحد الناجين من قارب الموت — أنه مطلوب من مخابرات الجيش. وكي يتجنب المزيد من المشاكل، سلم نفسه في فرع ميناء طرابلس، وذهبت معه والدته بارعة صفوان.

في الميناء، قال ضباط مخابرات الجيش لبارعة إنهم سيستجوبون ابنها لوقت قصير. مرت ساعات وهي تنتظر في الميناء. انضمت إليها صديقات لينتظرن معها. وفي حوالي الثانية صباحًا، عادت بارعة إلى المنزل. صباح اليوم التالي، وعندما عادت إلى الميناء لتسأل عن ابنها، أخبرها الضباط أنه لم يعد هناك.

قال إبراهيم إن الضباط اقتادوه في البداية إلى مكتب استخبارات الجيش في القبة قبل نقله إلى وزارة الدفاع في اليرزة ببعبدا. عرض عليه رائد أن يتصل بوالدته لإبلاغها بأنهم سينقلونه، لكن إبراهيم لم يكن يحمل هاتفه، وقد تأثر بصدمة الليلة الماضية لدرجة أنه لم يتذكر رقم هاتف أمه. أكد له الرائد أن الاستجواب سيستمر لبضع ساعات فقط، ومن بعد ذلك يمكنه العودة إلى المنزل.

أخبر إبراهيم مصدر عام بأن الضباط الذين استجوبوه في وزارة الدفاع عاملوه معاملة حسنة، حتى أنهم قدموا له السجائر. لكنه يعتقد هو ووالدته أن الضباط حاولوا أن يلفقوا له تهمة بأنه أحد المهربين الذين نظموا الرحلة. وطلبوا منه أن يخبرهم بكل ما حدث، منذ اللحظة التي غادر فيها القارب الشاطئ إلى لحظة إنقاذه.

يعتقد إبراهيم الجندي أن الضباط حاولوا أن يلفقوا له تهمة بأنه أحد المهربين الذين نظموا الرحلة

يعتبر تلفيق تهمة تهريب البشر ضد أحد المهاجرين توجهًا غير مستغرب. ففي عام ٢٠٢١، حلل كل من Alarm Phone وARCI Porco Rosso — وهما مراقبان أوروبيان لحقوق الإنسان — مئات الحالات التي احتجزت فيها سلطات حول البحر الأبيض المتوسط أشخاصًا بتهم باطلة بكونهم مهربي بشر. وبصفته ميكانيكي قوارب، كان إبراهيم هدفًا سهلاً.

في النهاية، لم تفرج وزارة الدفاع عن إبراهيم حتى ٣٠ نيسان، بعد أسبوع من غرق القارب، بعد أن تقدمت مجموعة من المحامين المتطوعين بشكوى إخفاء قسري إلى النيابة العسكرية.

يعتقد أبو هاشم أن ابنه ربما احتُجز أيضًا، تمامًا مثل إبراهيم. اليوم وبعد قرابة تسعة أشهر، لا تزال التساؤلات تعذبه. ربما تشاجر هاشم مع العساكر. ربما صور هاشم الحادث بكامله وقتلوه وألقوا به في البحر. ربما احتجزوه على أمل إلقاء اللوم عليه في الحادث، وهم يحتجزونه حيًا حتى يومنا هذا.

قال: "ربما يريدون اتهامه بالإرهاب لتبرير ما فعلوه. نحن نعرف كيف يعاملون أهل الشمال. إذا كانوا مذنبين، فإنهم يتهموننا بالإرهاب لإسكات الجميع".

Image of a middle aged man who looks worried

يبحث جهاد مثلج عن ابنه هاشم منذ ٢٣ نيسان ٢٠٢٢ عندما غرق قارب المهاجرين الذي كان هاشم على متنه. ويعتقد جهاد أن ابنه نجا من الحادث وهو محتجز. اليوم وبعد قرابة تسعة أشهر، لا تزال التساؤلات تعذبه. طرابلس، لبنان. ٢٨ تشرين الأول ٢٠٢٢. (مروان طهطح،مصدر عام)

رسالة من جهاد "أبو هاشم" مثلج إلى عناصر الجيش اللبناني

Audio file

Jihad Mthlej addresses army officers asking for answers about the fate of his son Hashem.

الغارقون والناجون

بعد أيام قليلة من غرق القارب، أعلنت مديرية التوجيه التابعة لقيادة الجيش أن مديرية المخابرات ستحقق في القضية لدى المحكمة العسكرية تابعة لوزير الدفاع الوطني. بعبارة أخرى، سيجري الجيش اللبناني تحقيقاً مع نفسه.

(قدمنا طلباً إلى مديرية التوجيه بالجيش للحصول على معلومات، مطالبين بنتائج التحقيق، وردّت مديرية التوجيه بعدم اختصاصها بالتحقيق، وأشارت إلى النيابة العسكرية. قدمنا الطلب إلى النيابة العسكرية، وحتى وقت نشر هذا التحقيق، لم نتلق أي رد).

بعد حوالي ثلاثة أشهر من المأساة، توجه المحامي الطرابلسي محمد صبلوح ومجموعة من زملائه إلى الأمم المتحدة كي تحقق في قضية اعتراض القارب والاصطدام الذي حدث في نيسان. في ٩ تشرين الثاني، استجابت وزارة الشؤون الاجتماعية لطلب عدد من مقرري الأمم المتحدة بقائمة الناجين والغارقين، والتي نسبتها إلى الصليب الأحمر اللبناني. [note:2]

أدرجت الوزارة عدد الناجين والضحايا أو المفقودين من حادث تصادم القارب في نيسان حسب جنسياتهم: نجى ٢٦ لبنانيًا و١٢ سوريًا وفلسطينيان اثنان (ما مجموعه ٤٠). وتوفي أو فُقد ٢٥ لبنانيًا و١١ سوريًا و٥ فلسطينيين (ما مجموعه ٤١).

إذا كانت وزارة الشؤون الاجتماعية على علم بجنسيات الضحايا والناجين، فمن المفترض أنها تعرف هوياتهم. لكن الوزارة رفضت حتى الآن الكشف عن أي قائمة أسماء من شأنها أن تخبر العائلات عن من غرقوا ومن أُنقذوا. وكتبت الوزارة "فيما يتعلق بظروف الغرق والتحقيقات التي تهدف إلى تحديد هوية المتوفين أو المفقودين، فهذه أمور لا تدخل في اختصاص وظائف ومسؤوليات وزارة الشؤون الاجتماعية".

إذا كانت وزارة الشؤون الاجتماعية على علم بجنسيات الضحايا والناجين، فمن المفترض أنها تعرف هوياتهم.

لم يتمكن الصليب الأحمر اللبناني من التعليق على هويات الناجين وأحال مصدر عام إلى الجيش اللبناني الذي لم يرد حتى الآن. (تقدمنا بطلب نشر قائمة الناجين إلى مديرية التوجيه والنيابة العسكرية والدفاع المدني، ولم يستجب أي منهم لهذا الطلب). لكننا قد تحدثنا خارج إطار النشر مع عدة موظفين في الصليب الأحمر اللبناني، وأخبرنا أحدهم أن اسم هاشم غير موجود في قواعد بياناتهم.

ولأن الحكومة اللبنانية رفضت حتى الآن نشر أي قائمة رسمية بأسماء الناجين، فإن أي مكالمة هاتفية أو رسالة تكفي لإيقاد شعلة أمل جامح لدى آل مثلج: هل يمكن أن يكون هذا خبر عن هاشم؟

"جسد بلا روح"

يعجز أفراد عائلة مثلج عن ضبط أعصابهم هذه الأيام، فالوالدان والبنات سريعي الانفعال. قال أبو هاشم: "لم يعد لأحد يستطيع الصبر للتعامل مع الآخر". قال كلا الوالدين لمصدر عام وفي مناسبتين منفصلتين: "بدون هاشم، نحن جسد بلا روح".

وقالت أم هاشم في مقابلة أجريت معها مؤخرًا إنها تعتقد أن ابنها لا يزال على قيد الحياة، مجيبة بثقة: "الأم بتعرف".

انفجرت باكية قبل هذا بساعة. قالت وهي تغص بدموعها: "أتمنّى الموت ولا إبعد عن هشّومي أكثر من هيك". لكنها تعافت الآن، وكانت تقشر البطاطا لإعداد العشاء لأبناء عم هاشم وأصدقائه الذين جاءوا إلى منزله للتحدث معنا.

قالت أم هاشم وهي تغص بدموعها: "أتمنّى الموت ولا إبعد عن هشّومي أكثر من هيك"

في إحدى الليالي وقبل الذهاب إلى الفراش، أدّت أم هاشم صلاة الاستخارة، وهي صلاة يقوم بها المسلمون قبل النوم بغية طلب الخيرة من الله في حل مسألة أو معضلة ما.

رأت هاشم في حلمها في تلك الليلة وشعرت أن المشهد حقيقي. قال لها: "أقسم بالله، ماما، أنا حي"، فعانقته وقبلته.

سألنا أبا هاشم عما سيقول لابنه إذا كان بإمكانه الوصول إليه. بعد صمت طويل وتنهد عميق، قال: "بابا، نحن في انتظارك. سنظل في انتظارك".

توقف وقاوم دموعه وقال "مهما كان الوقت الذي مضى، سنبذل قصارى جهدنا لإعادتك سالمًا. لا تفكر أننا نسيناك".

صورة كفن رسمها هاشم مثلج
صورة كفن رسمها هاشم مثلج
 الصفحة الأولى من رد وزارة الشؤون الاجتماعية ووزارة الدفاع الوطني
في أيلول ٢٠٢٢،كتب المقررون الخاصون للأمم المتحدة المعنيون بحقوق الإنسان للمهاجرين وحالات الاختفاء القسري وغيرهم إلى الحكومة اللبنانية – بناء على طلب محمد صبلوح – للاستفسار عن عدم وجود تحقيقات شفافة في مأساة ٢٣ نيسان ٢٠٢٢. الصورة أعلاه هي الصفحة الأولى من الرد الذي أرسلته وزارة الشؤون الاجتماعية ووزارة الدفاع الوطني في تشرين الثاني ٢٠٢٢. يمكنك التحقق من الوثيقة الكاملة هنا.

 

    image/svg+xml

    هل هذه القصة قيّمة برأيكم؟ ساعدونا في الاستمرار لإنتاج القصص التي تهمكم من خلال التبرع اليوم! تضمن مساهمتكم استمرارنا كمصدر مُجدٍ ومستقل وجدير بالثقة للصحافة المعنية بالمصلحة العامة.