Main Content
صورة من مسيرة "المائة الألف" التي نظمتها الحركة الطلابية، كما شارك الفنانون والمفكرون وقطاعات أخرى من المجتمع البرازيلي في المظاهرة الاحتجاجية الشعبية ضد الدكتاتورية العسكرية. ريو دي جانير، البرازيل. ٢٦ حزيران، ١٩٦٨. (إيفاندر تيشيرا، أرشيف IMS)

صورة من مسيرة "المائة الألف" التي نظمتها الحركة الطلابية، كما شارك الفنانون والمفكرون وقطاعات أخرى من المجتمع البرازيلي في المظاهرة الاحتجاجية الشعبية ضد الدكتاتورية العسكرية. يُقرأ على اللافتة الظاهرة: "تسقط الديكتاتورية، الشعب في السلطة". ريو دي جانير، البرازيل. ٢٦ حزيران، ١٩٦٨. (إيفاندرو تيشيرا، أرشيف IMS)

"اليسار الصهيوني" كقوّة مُضادّة للثورة: البرازيل نموذجًا

تتمتّع البرازيل بعلاقة تاريخية مع دولة الاحتلال، ترأسّت الجمعية العامة للأمم المتحدة عام ١٩٤٧ عندما طُرِحت خطة التقسيم التي أوصت بإنشاء دولة يهودية في فلسطين التاريخية تحت الانتداب البريطاني. كما لعبت دورًا مهمًا في تبنّي الخطة وكانت من أوائل الدول التي اعترفت رسميًا بالاحتلال عام ١٩٤٩.

حاليًا، يعيش أكثر من ١٠٠،٠٠٠ يهودي في البرازيل، ما يجعلها ثاني أكبر مجتمع يهودي في أميركا اللاتينية. خلال عهد بولسونارو، بلغت العلاقات بين البرازيل ودولة الاحتلال ذروتها، وقدّم الرئيس البرازيلي لصديقه المفضّل نتنياهو جائزة وطنية كانت قد مُنِحت للملكة إليزابيث الثانية والرئيس أيزنهاور. في بداية حرب الإبادة المستمرة على غزة، وجّه الرئيس البرازيلي الحالي انتقادات لاذعة لممارسات الاحتلال الإجرامية، حتى توقّع البعض أنّ الرفيق لولا دا سيلفا سيفرض حظرًا نفطيًا على الكيان ليدفع نحو وقف إطلاق النار، إذ تؤمن البرازيل وحدها ٩٪ من شحنات النفط الخام منذ نشوب الإبادة المستمرة.

في هذه المادة، تقدّم مصدر عام ترجمة عربية مجتزأة من ورقة بحثية بعنوان، "لماذا لا يكون اليسارُ اليهودي البرازيلي مناهضًا للصهيونيةَ؟"، من إعداد برونو هوبرمان، أستاذ العلاقات الدولية والباحث البرازيلي اليساري. يراجع الكاتب تاريخ التفاعل بين الصهيونية واليسار في البرازيل خلال قرن من الزمن، ويحاجج أنّ اليسار الصهيوني الذي لطالما قدّم نفسه كمجموعة تقدمية متضامنة مع الشعب المضطهَد في فلسطين والبرازيل يشغل عمليًا موقع الجهة الاستعمارية المضادة للثورة بوجه السياسات التحررية لليسار الجذري.

لا يرى هوبرمان اختلافًا حقيقيًا بين الصهيونية اليمينية والصهيونية اليسارية، فَجوهر المشروع استعماريٌ بالدرجة الأولى، لا مكان فيه للفلسطيني ضمن الدولة اليهودية "الديمقراطية-العنصرية" القائمة على نفيّ الوجود العربي من البلاد، كما أنّ الصبغة الأيديولوجية لا تغيّر في طبيعة المشروع الإبادية. ضمن مقابلة في برنامج أوبيرا موندي مع الصحافي البرازيلي برينو ألتمان، اعتبر هوبرمان أن التباينات بين التيارَين لا تبرز في الطروحات السياسية الاقتصادية، والتي غدت نيوليبرالية بمجملها عقب توقيع اتفاقية أوسلو عام ١٩٩٣، بل تكمن في الاستراتيجية الاستعمارية الإبادية التي يعتمدها كل منهما، حيث يظهَر ميلًا واضحًا لدى الصهيوني اليميني إلى استعجال تحقيق أهدافه عبر فرضها عسكريًا، بينما يعتمد الصهيوني اليساري على أدوات التفاوض والحوار الدبلوماسي، فيتسلّح بالصبر لتنفيذ مشروعه الإبادي.

أيضًا، لا يفرّق الكاتب بينهما من خلال الموقف إزاء حل الدولتين، فالحلّ قائمٌ بالفعل، ونموذج الدولة الفلسطينية التي ترضي الصهاينة يمينًا كانوا أو يسارًا، متمثّل في السلطة الحالية، وهي سلطة عميلة ومسلوبة الإرادة والقرار، تسفك دماء المقاومين المطاردين في الضفة الغربية نيابةً عن الاحتلال، فلا يمكن لـ"إسرائيل" أن تقبل بدولة مجاورة تحميها قوات وطنية قادرة على الدفاع عن سيادتها ومصالح الشعب الفلسطيني.

يعمل اليسار الصهيوني على دعم "الفلسطينيين المعتدلين" باعتبارهم "ضحايا التطرّف"، فيقدّمهم على أنهم متميّزون يتمتّعون بالرقيّ الأخلاقي الذي يخوّلهم حل القضية الفلسطينية بواسطة الحوار حصرًا، ليقوّض البعد الكفاحي في الطروحات النضالية حول فلسطين لدى اليسار العالمي، ويضع اللوم على المقاومة الفلسطينية "المتطرفة" لأنها تخرّب المبادرات التآزرية ما بين مختلف الأقطاب السياسية المعنية بالقضية، وبذلك يبرّر اليسار الصهيوني دوره كحارس للمجتمع اليهودي ضد التطرف المفترض لليسار العالمي الذي يدعم المقاومة الفلسطينية.

تتنكّر هذه المقاربات القاصرة، والمتواطئة إلى حد بعيد، لعدم تناسب القوّة، ولحقيقة أنّه على مر التاريخ لم يتفكّك أي استعمار عبر الحوار وحده، إنما بالالتحام والصراع الذي تضمن أشكالًا مختلفة من المقاومة. 

يمكن ملاحظة أزمة عالمية للصهيونية اليسارية، من "إسرائيل" إلى البرازيل، فالولايات المتحدة والمملكة المتحدة. شهدت المجتمعات اليهودية حول العالم تحوّلات في العلاقات العرقية والطبقية بعد الحرب العالمية الثانية. وهذا يفسر جزئيًا سبب عدم استكمال اليهود البرازيليين الاستقطاب الظاهر في المجتمع البرازيلي لدمج اليسار المناهض للصهيونية، وعوضًا عن ذلك رصّوا الصفوف مع الفاشيين الجدد.

استنادًا إلى تحليل تأملات هذه المجموعة الفكرية وإجراءاتها، نحاجج أنّه وبمساعدة النخب الصهيونية وإكراه الدولة البرازيلية، يتصرّف الصهاينة اليساريون كحرس البوابة إذ يمنعون اليهود اليساريين وقطاعات اليسار المعتدل من تشكيل حركات جذرية لتحرير الشعوب المضطَّهدة والمستغَلَّة في البرازيل وفلسطين. على هذا النحو، تمكّنوا من تعزيز الادعاءات الاستعمارية الإسرائيلية بالسيادة على الأراضي الفلسطينية كما وشرعية الصهيونية داخل اليسار البرازيلي.

نؤرّضُ نَقدنا في تأملات اليهود المناهضين للصهيونية والمنظورات المناهضة للاستعمار والاستيطان الاستعماري لنبيّن كيف تعمل الصهيونية اليسارية كنسخة ناعمة وحاضنة للعصبية الاستعمارية القديمة. ولهذه الغاية، نختبر فرضية طرحها الماركسي اليهودي الأمريكي ألكسندر بيتلمان الذي كتب عام ١٩٤٧ أنّ الصهاينة يتماشون مع القوى الرجعية للدولة القومية التي يقيمون فيها.

نفهم الممارسة النظرية لدى اليسار الصهيوني على أنها استراتيجية ثورة مضادة تحافظ على هيمنة الصهيونية الليبرالية على أساس استبعاد البدائل المعادية للصهيونية، داخل وخارج المجتمع اليهودي. يعطّل التحليل التاريخي لسياسات الحركة اليهودية المناهضة للصهيونية فكرة التعايش المتناغم داخل المجتمع اليهودي التي يدّعيها اليسار الصهيوني البرازيلي.

نقترح تأملًا مغايرًا يعاين اليسار اليهودي المناهض للصهيونية والعنصرية والاستعمار كعنصر رئيسي لفهم التناقضات بين الصهيونية القائمة في فلسطين والهيمنة التقدمية الليبرالية التي تعمّ المجتمع اليهودي في البرازيل.

أزمة هيمنة الليبرالية-التقدمية في المجتمع اليهودي-الصهيوني البرازيلي

في أواخر الثلاثينيات، تشكّل المجتمع اليهودي بغالبيته من الصهاينة الاشتراكيين وكانوا مسؤولين عن بناء المدارس والمكتبات والحركات الشبابية التي أطّرت قاعدتهم الاجتماعية الرئيسية. كان لهذه الكيانات دورًا تأسيسيًا في تمدّد الصهيونية وترسيخ العبرية كلغة قومية يهودية بالإضافة إلى دعم الدولة البرازيلية لـ"إسرائيل" وتجنيد الموارد المالية والبشرية للاستعمار الصهيوني في فلسطين، كالتدريب العسكري في المخيمات الشبابية لتكوين مستوطنين جدد.

بحسب مونيكا غرين، شهدت فترة ما بعد الحرب العالمية الثانية صعود الأجندة التقدمية الليبرالية في المجتمع اليهودي. أفضَت دَمقرَطَةُ البلاد بعد عام ١٩٤٥، عقب نهاية الـ"إستادو نوفو"، أو "الدولة الحديثة"، إلى نموذج جديد للمؤسسات التي تمثّل المجتمع اليهودي إقليميًا. وَجَّهت النخبُ الصهيونية هذه الكيانات نحو تمثيل جميع اليهود في المجتمع البرازيلي، ولا سيما في الحكومة الوطنية. ومع ذلك، كانوا منفتحين على الجماعات المناهضة للصهيونية التي كانت لا تزال عديدة آنذاك ولكنها بقيت مستقلة.

ستشكّل مواقفُ المجتمع اليهودي، المؤيدة لحقوق الإنسان والعدالة الاجتماعية ومكافحة معاداة السامية والدفاع عن "إسرائيل" كدولة ديمقراطية بين البلدان الاستبدادية في الشرق الأوسط، أساسَ التماسك الاجتماعي الجديد. كما سيؤدي الدفاع عن الحقوق العالمية والمواطنة وتوسيع نطاق حقوق الأقليات الاثنية والدينية إلى احترام حقوق اليهود كأفراد وجماعة.

حتى في ذروة "تصهين" المجتمع اليهودي بعد حرب ١٩٦٧، درج التقارب النسبي بين الصهيونية اليسارية واليسار البرازيلي.

نتج عن هذه الأجندة صلات مع الفئات الاجتماعية الأخرى دعمًا للتعددية الثقافية الوطنية والحرية الدينية ومكافحة العنصرية. جعلت من مجموعات تقدمية مختلفة في المجتمع، كقطاعات من الكنيسة الكاثوليكية وحركة السود، حلفاءً في مكافحة معاداة السامية.

في مثال آخر عن تحالفات الجماعات الصهيونية اليسارية مع اليسار البرازيلي، يُلحَظ تحوّل العلاقة بين الصهاينة واليسار البرازيلي من تعاطف في الثلاثينيات إلى عداء مطلع القرن الحادي والعشرين. ووفقًا لميشيل غيرمان، حدث التقارب بين الصهاينة اليساريين والحزب الشيوعي البرازيلي، الممثل الأبرز لليسار البرازيلي الثوري حينها، حتى قبل اعتراف الاتحاد السوفياتي بـ"إسرائيل". كان ثمّة تعاطف بين قطاعات الحزب الشيوعي البرازيلي تجاه الجوانب الجماعية للدولة اليهودية.

حتى في ذروة "تصهين" المجتمع اليهودي بعد حرب ١٩٦٧، درج التقارب النسبي بين الصهيونية اليسارية واليسار البرازيلي. استمرّ هذا التلاقي خلال إعادة دمقرطة البلاد في الثمانينات عندما تقرّبت الجماعات الصهيونية من حزب العمال، حزب اليسار البرازيلي الرئيسي الذي تبنى الإجماع الدولي الليبرالي حول السلام والتعايش والدولتين. وهكذا، رحّب كل من اليهود واليسار بالموقف "الصهيوني النقدي".

ولكنّ، بحسب غيرمان، ستواجه الهيمنة الصهيونية الليبرالية أزمة بعد الانتفاضة الثانية (٢٠٠٠–٢٠٠٦)، وذلك عندما ستؤدي التفسيرات الثنائية إلى مواقف متطرفة من اليسار البرازيلي تجاه "إسرائيل" والصهيونية. هذا النوع من النقد من قبل اليسار خلط بين الهويات اليهودية والصهيونية والإسرائيلية.

من ناحية أخرى، يفهم غيرمان النمو السياسي للجماعات الإنجيلية المحافظة، بوصفهم الأبطال التاريخيين لـ"إسرائيل" في العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، على أنّه عامل ضغط على بولسونارو لاحتضان "إسرائيل" كحليف في الدفاع عن القيم اليهودية-المسيحية الغربية ضد التهديدات القادمة من الشرق والإسلام واليسار. في عام ٢٠١٤، عَمّد زعيم إنجيلي بولسونارو بهدف كسب دعم الإنجيليين. منذ تنصيبه، أصبح بولسونارو أحد أهم شركاء "إسرائيل"، وحضرت الأعلام الإسرائيلية بكثافة في مظاهرات اليمين المتطرف البرازيلي.

نتيجة لذلك، ازدهرت أجندة جديدة صهيونية ومحافظة ومتطرفة بقيادة الجماعات اليمينية المتطرفة والمهمشة سابقًا داخل المجتمع اليهودي. سعت هذه الجماعات إلى الانفصال عن الإجماع الليبرالي التقدمي واستبعاد اليهود "الصهاينة النقديين". حلّت الجماعات اليمينية المتطرفة المدافعة عن "إسرائيل" مكان الحركات اليسارية باعتبارها الحليف الرئيسي للنخب الصهيونية.

شكّلت التوافقية المستحدَثة بين التطرف الإنجيلي والفاشية البولسونارية واليهود القوميين المتطرفين جوهر النظرة الإيجابية لليهود والصهاينة و"إسرائيل" كمدافعين عن قيمهم الأخلاقية والسياسية. حقيقة الأمر بالنسبة للمثقفين الصهاينة الليبراليين تكمن في أن هذا التمثيل الإيجابي جوهريًا لا يشكّل معاداةً السامية رغم أنّ كثر، بمن فيهم بولسونارو نفسه، يتبنون مواقفًا معادية للسامية علنيًا. بمعنى أنّ مواقفهم الصهيونية المتطرفة والمعادية للسامية لا تتداخل بل هي ظواهر متكاملة. ولكن على اليسار، سيكون هناك تداخل بين معاداة الصهيونية ومعاداة السامية.

من أول التظاهرات السياسية في عهد "الدولة الجديدة" نظمها الاتحاد الوطني للطلاب (UNE). خرج الطلاب من الجامعات والمدارس في مسيرات وسط العاصمة الفيدرالية في ريو دي جانيرو بمناسبة "استقلال" الولايات المتحدة، هتفوا للديمقراطية وحملوا لافتات ومشاهد يسخرون فيها من قادة دول المحور. كرّمت هذه المسيرة شخصيات عديدة، من بينهم أوزفالدو أرانيا. يُقرأ على اللافتَتين: "يحيا أوزفالدو أرانيا - العدو الأول للعمود الخامس الملعون"، والعمود الخامس مصطلح شائع كان يُستخدم لوصم من يُشتبه في أنهم متعاطفون مع النازيين، أو متعاونون مع

نظّم الاتحاد الوطني للطلاب (UNE) أول التظاهرات السياسية في عهد "الدولة الجديدة". بمناسبة استقلال الولايات المتحدة، خرج الطلبة من الجامعات والمدارس في مسيرات وسط العاصمة الفيدرالية في ريو دي جانيرو، هتفوا للديمقراطية وحملوا لافتات ومشاهد يسخرون فيها من قادة دول المحور. كرّمت هذه المسيرة شخصيات عديدة، من بينهم أوزفالدو أرانيا. يُقرأ على اللافتَتين: "يحيا أوزفالدو أرانيا - العدو الأول للعمود الخامس الملعون"، والعمود الخامس مصطلح شائع كان يُستخدم لوصم من يُشتبه في أنّهم متعاطفون مع النازيين، أو متعاونون مع قوى المحور، أو منخرطون في أنشطة تخريبية ضد تحالف البرازيل مع الحلفاء خلال الحرب العالمية الثانية. ريو دي جانيرو، البرازيل. (أرشيف ذاكرة الديمقراطية)

"إسرائيل المتخيلة" كإطار عمل منزوع السياسة

في محاولة لتفسير أزمة هيمنة الصهيونية الليبرالية، طوّر غيرمان مفهوم "إسرائيل المتخيلة" الذي يتحول إلى مفهوم "اليهودي الوهمي" وكان آلان فينكيلكروت قد سبق أ فصّله لفرنسا في أواخر القرن العشرين. بالنسبة لغيرمان، كما لفينكيلكروت، ستجد على اليسار وعلى اليمين بُنى اجتماعية مسؤولة عن جعل اليهود، وإسرائيل تباعًا، استثنائيين وموجّهين بطبيعة جوهرانية مفترضة.

سينظر اليسار إلى العلاقة اليهودية-الصهيونية-الإسرائيلية على أنها عنصرية واستعمارية وإمبريالية ورأسمالية ويمينية. وقد يفسر اليمين هذه الآصرة أنّها تديّنٌ ومسيحانيةٌ ومحافظةٌ ودفاعًا عن المجتمع اليهودي-المسيحي الغربي. لن تستوعب أيّ من وجهات النظر المتخيلة هذه تعددية وتنوع "اليهودي الحقيقي" أو الأنماط المختلفة من الصهيونية والتيارات المعارضة في المجتمع الإسرائيلي.

وجّه الإطناب النظري لـ"إسرائيل المتخيلة" أعمال المعهد البرازيلي-الإسرائيلي (IBI) بشكل خاص، وهي منظمة تأسست سنة ٢٠١٧ للدعوة إلى الصهيونية الليبرالية التي تجمع الليبراليين اليساريين واليمينيين دفاعاً عن الهيمنة الليبرالية التقدمية. تستهدف أنشطتها الكيانات التمثيلية للمجتمع اليهودي الصهيوني والدوائر المهمة في المجتمع البرازيلي، مثل المهرجانات الأدبية ومعارض الأفلام والأحزاب السياسية ووسائل الإعلام والجامعات العامة.

وفقًا لرئيس IBI، ديفيد ديسندروك، جاء تمويل المنظمة كرد فعل على "الألم" الناجم عن الاستقطاب في المجتمع البرازيلي. وفي بحث إثنوغرافي أجري بين عامي ٢٠١٥ و٢٠١٧ مع اليهود البرازيليين الذين يعرّفون بأنهم صهاينة يساريون، لاحظت بيانكا ماركوسي ألمًا مشتركًا بين حَمَلة هذه الهوية. تنبع هذه المعاناة من العزلة والتهميش في المجتمع البرازيلي نتيجة الاستقطاب حول قضية فلسطين/إسرائيل.

تتضمن الأرضية المشتركة للصهاينة اليساريين البرازيليين دعمَ الدولة الفلسطينية وإنهاءَ احتلال الأراضي الفلسطينية، وصهيونيةً مبنيةً على القيم الإنسانية والأخلاقية اليهودية. تلحظ ماركوسي جهدًا مشتركًا للصهاينة اليساريين لتعريف هويتهم الصهيونية بطريقة مثالية لا ترتبط بالصهيونية القائمة فعليًا.

كما تلحظ أنّ الرغبة في إنهاء الاحتلال أولوية مطلوبة لإنقاذ "إسرائيل" والصهيونية التي يظنونها حقيقية: تلك التي كانت ستظل موجودة حتى عام ١٩٦٧، أي قبل "الانحراف" الذي سببه اليمين الصهيوني. يمكن رصد خطاب "الانحراف" هذا في نقد تصرفات اليمين الصهيوني المتطرف ضد الإجماع الليبرالي ضمن المجتمع اليهودي البرازيلي.

إنّ فكرة التعددية مقابل "الثنائية" المروَّج لها بـ"إسرائيل المتخيلة" لدى اليسار الصهيوني تفرض نزع السياسية وتعطل العداوات الهيكلية الناتجة عن الواقع الاستعماري الاستيطاني الكامن في جذور التفاوت في السلطة وظروف القمع والاستغلال بين اليهود والفلسطينيين.

تطمح نخب الصهيونية اليسارية إلى إعادة تعريف هذه المعاناة الفردية كهوية بمنظور متميّز توفّر أفضل فهم للواقع، وذلك من خلال الوقوف على طرفين: اليسار والصهيونية. تهدف هذه النخب لجعل اقتراحها السياسي عن "دولتين لشعبين" اقتراحًا عقلانيًا كونه يرتكز على تجربة معاناة مميزة تسعى إلى الاعتدال. وبينما يدافع اليمين المتطرف عن دولة الفصل العنصري المنبثقة عن طموحاتهم بضم الضفة الغربية، فإن مشروع الدولة الديمقراطية ثنائية القومية يحصد تأييدًا ضمن اليسار. 

لذلك، تعمل "إسرائيل المتخيلة" كنظرية للصهيونية الليبرالية على استئناف مشروع الدولتين وإعادة ترسيخ الهيمنة الليبرالية التقدمية في المجتمع اليهودي البرازيلي عبر استراتيجية الحوار. يبدو هذا الإطار نقديًا، لكنه مؤسَّس على استقطاب زائف يعادل بين اليسار واليمين في "نظرية حدوة الفرس".

بهذا النموذج، سيكون الطيف السياسي على شكل حدوة الفرس التي من شأنها أن تنتج  يسارًا متطرفًا أقرب إلى اليمين المتطرف منه إلى يسار الوسط. لذلك، لن تكون هناك اختلافات نوعية أو غائية بين اليسار واليمين.

بحسب صابرينا فرنانديز، لا يمكن ملاحظة "نظرية حدوة الفرس" إلا في بيئة تتسم بدرجة عالية من عدم التسييس كحال البرازيل منذ حزيران ٢٠١٣. إنّ فكرة التعددية مقابل "الثنائية" المروَّج لها بـ"إسرائيل المتخيلة" لدى اليسار الصهيوني تفرض نزع السياسية وتعطل العداوات الهيكلية الناتجة عن الواقع الاستعماري الاستيطاني الكامن في جذور التفاوت في السلطة وظروف القمع والاستغلال بين اليهود والفلسطينيين. وبذلك، يُبنى تمثيلاً لا يعود فيه الصراع صراعًا استعماريًا استيطانيًا، ويتحوّل إلى صراع بين الليبراليين والمتطرفين. تبرر أيديولوجيا "إسرائيل المتخيلة" دور الصهاينة اليساريين كحرس بوابة في المجتمع اليهودي واليسار المعتدل ضد المواقف "المتطرفة" المتزايدة في اليسار الجذري. وبهذا التمثيل المزيّف للواقع، يغدو الصهاينة اليساريون ضحايا متساوين مع الفلسطينيين.

على سبيل المثال، في مقال عن الأصولية اليهودية، ذكر غيرمان وغرين أنّ المتطرفين يشكلون "عصابات عنيفة تقاتل الفلسطينيين واليهود التقدميين بالقدر نفسه من العنف". كما لو أن اليهود التقدميين يعانون نتيجة المذابح من مأساة متساوية، مثل تلك التي وقعت بالخليل عام ١٩٩٤، وحالهم كحال الفلسطينيين الذين يتعرّضون لسلب ممنهج للمنازل والأراضي وغيرها من أعمال العنف التي يرتكبها المستوطنون المتطرفون، والتي تعود بالنفع على مجمل سكان المستوطنات.

يستند هذا التشويه للواقع على مغالطات تفيد المشروع اليميني الليبرالي عبر حصر أرجحية المصالحة بالليبراليين المنضوين في النظام النيوليبرالي في البرازيل. ويمكن ملاحظته في الادعاء القائل بأن الاستعمار الاستيطاني الصهيوني هو ثمرة الخيال الأصولي لليسار، وأنّ حركة المقاطعة تنتفع من معاداة السامية لدى اليسار المتطرف. يحدث شكل آخر من نزع التسييس في استراتيجية الخطاب المقدّمة على أنها الحل العقلاني والتكنوقراطي وفقًا للإجراءات النيوليبرالية لحل النزاعات، والذي يفترض أنه يتعالى على أيديولوجية اليسار "المؤيد للفلسطينيين" واليمين "المؤيد لإسرائيل".

على هذا النحو، تعيد نظرية "إسرائيل المتخيلة" إنتاج استراتيجية "التعقيد" القديمة التي أبقت تاريخيًا اليساريين الدوليين في خوف من اتهامهم بمعاداة السامية عند انتقاد الصهيونية وتطبيقاتها الاستعمارية – وهي ممارسة متكررة، كما لوحظ في حالة جيرمي كوربين بالمملكة المتحدة. وعليه، فإن الجوانب الاستعمارية والعنصرية الاستيطانية للصهيونية تبقى محجوبة. يتم تصوير أشكال الانتقادات المتطرفة من قبل مناهضي الصهيونية على أنها "غير عقلانية"، مما يجبر اليسار على تبني مواقفًا أكثر اعتدالًا.

الاستعمار الاستيطاني الصهيوني والممارسة النظرية للثورة المضادة

في كتابها "مفترق طرق: اليهودية ونقد الصهيونية"، تشير جوديث بتلر إلى أن أي مشروع عن التعايش اليهودي في فلسطين يجب أن يبدأ بحركة مزدوجة تستعيد وتنفي التقليد الأخلاقي اليهودي في الوقت عينه. تتناول بتلر التعايش مع غير اليهود باعتباره الجوهر الأخلاقي المركزي ليهود الشتات، وهو ما يمثّل التزامَ التقاليد اليهودية العلمانية والاشتراكية والدينية بالمساواة والعدالة. تمكّن هذه الموارد اليهوديةَ من بناء التعايش في فلسطين، فضلاً عن "انتقاد عنف الدولة، والقهر الاستعماري للسكان، والطرد ونزع الملكية".

عبر تجاهل الاستعمار الاستيطاني باعتباره بُعدًا بنيويًا في فلسطين المحتلة، يتغاضى المثقفون الصهاينة اليساريون عن دوره في بناء وعيهم وهويتهم وعملهم. وكما لفتَ فانون، إن البنية الاستعمارية هي التي تنتج العملاء الاستعماريين، وليست ممارساتهم الفردية.

في الوقت نفسه، تثير بتلر ضرورة رفض التقليد اليهودي باعتباره يهوديًا صرفًا والقيم الأخلاقية اليهودية باعتبارها استثنائية. تهدف هذه الحركة إلى منع بناء موقف يهودي متميّز لفهم الواقع والتصرف بناءً عليه، حتى ولو كان موقفًا مناهضًا للصهيونية. مما يعني أنّ النقد اليهودي للصهيونية يجب أن يسائل الإطار اليهودي نحو قيم ديمقراطية أكثر جوهرية وعالمية بغية التغلب على اليهودية التي يُزعم أنها الإطار الحصري الأصيل للتفكير بالأخلاق والسياسة.

يساهم مجمل النقد الموجه للصهيونية وإسرائيل من قبل اليسار الصهيوني في الحفاظ على موقف متميز في التفكير والتصرف بشأن مسألة التعايش بين اليهود وغير اليهود في فلسطين والبرازيل، وبالتالي، يفشل في تخطي هيكلية اليهودية. عبر تجاهل الاستعمار الاستيطاني باعتباره بُعدًا بنيويًا في فلسطين المحتلة، يتغاضى المثقفون الصهاينة اليساريون عن دوره في بناء وعيهم وهويتهم وعملهم. وكما لفتَ فانون، إن البنية الاستعمارية هي التي تنتج العملاء الاستعماريين، وليست ممارساتهم الفردية.

ادّعى باتريك وولف أنّ مركزية الانقسام الثنائي بين المستوطن والمواطن هي العلاقة الجدلية الهيكلية التي تُفهَم عبرها سائر التداعيات في وضع استعماري استيطاني مثل فلسطين المحتلة. لا يزال طرح العلاقة الاستعمارية بمصطلحات ثنائية كمستوطن ومواطن، مضطَهِد ومضطَهَد بالنسبة للشعوب الأصلية، وهو ما ينطبق على الفلسطينيين، منطقيًا وليس خياليًا البتّة: هكذا تم إنتاج ترتيب السكان في تلك المنطقة أصلاً عبر الضروريات العنصرية للمستوطنين الصهاينة، مرساة علاقاتهم المادية.

ليست الهوية شيئًا يُبنى من الخطابات والتخيلات، بل من العمليات المادية. خلقَ الاستعمار الاستيطاني الإسرائيلي الأصلانيةَ الفلسطينيةَ، والتي عادت للظهور مؤخرًا في النقاشات الدائرة حول فلسطين وأصبحت جانبًا مهمًا من التعبئة السياسية – على المستويين الوطني والعالمي، وتشكُّل الروابط مع نضالات الشعوب الأصلية الأخرى ضد الاستعمار الاستيطاني. ومع ذلك، لا يبدو أنّ للتفاعل مع السكان الفلسطينيين الأصليين أية تبعات على طبيعة وهوية الصهاينة الليبراليين.

كما يلاحظ غابريال بيتربرغ، "ما اقترفناه هو من نحن فعليًا". ارتكز الصهاينة الليبراليون على تفسيرات مثالية وخاصة للعملية التاريخية المادية، كما في حالة الكيبوتسات. عبر تصويرها وكأنها حركة طوباوية صهيونية اشتراكية، يتجاهلون الدور المركزي الذي لعبته في تأمين الاستعمار القهري للأراضي الفلسطينية وبناء مجتمع استيطاني على أنقاض المجتمع الأصلي.

تاريخيًا، ناضل اليسار الجذري ضد الأشكال الاجتماعية التي ركنت إلى القومية لشنّ ممارسات قمعية كالاستعمار، حتى تلك التي ادّعت أنها اشتراكية. إنّ القطيعة مع الأممية الثانية في بداية القرن العشرين أنتجت خلافات وضعت الشيوعيين والثوريين المناهضين للاستعمار بوجه الديمقراطية الاجتماعية الأوروبية التي دعمت الاستعمار كخطوة ضرورية لتحقيق الاشتراكية في الأطراف.

هذا ما شكّل العنصر المركزي في الموقف التاريخي لمناهضي للصهيونية: رفض الصهيونية كحل للمسألة اليهودية. الاستعمار ظاهرة تعددية بأساليبه وأيديولوجياته، لكنّه يستند بنيويًا على المنطق العنصري عينه المتمثل في النهب والاستغلال ونزع الإنسانية، حتى عند ادّعاء "نيّته الإنسانية بالترويج لتحقيق السلام الدائم". إنّ تعددية الصهاينة الذين أثّروا على الواقع المادي في فلسطين تمثّل التعددية التي يمكن للاستعمار عمومًا ادّعائها، والاستعمار الصهيوني خصوصًا.

إنّ الصهيونية التي تطوّرت كمشروع قومي "لتطبيع" يهود الشتات عبر استيطانهم فلسطين وبناء دولة يهودية سيادية في الأرض، لم تكن أبدًا حركة تهدف إلى تحرير أي شخص سوى اليهود أنفسهم. عوضًا عن رفض النموذج القومي في جذور استبعادهم وسعيهم نحو التحرر الأممي، كما فعل اليهود الشيوعيون، استعاد الصهاينة أسلحة القمع التي ولّدت معاداة السامية الحديثة من أجل تحررهم الوطني خارج أوروبا. إن إخضاع السكان الأصليين منح الصهاينة اعترافًا على قدم المساواة من قبل مضطهديهم السابقين، الأوروبيين. وهكذا، قام الصهاينة بعكس لعبة استغلال الإنسان للإنسان.

تكيّفت الحركات اليسارية المختلفة حول العالم مع أشكال جديدة من الاستعمار الليبرالي (الجديد)، كما الحال في بناء سد بيلو مونتي في البرازيل من قبل حكومة حزب العمال التي صادرت ملكية السكان الأصليين.

كان للهستدروت، وهو اتحاد العمال الصهيوني، دور فعال في بناء اقتصاد استيطاني حصري منفصل عن الاقتصاد الأصلي من خلال طرد الفلسطينيين من الأرض وسوق العمل ووضع الأسس لدولة يهودية تقوم على الإقصاء والفصل المستمر للسكان الأصليين. وذهب الهستدروت إلى حد منع التضامن الطبقي بين العمال اليهود والفلسطينيين تحت رعاية الحزب الشيوعي الفلسطيني المناهض للصهيونية.

اليوم، ورغم ضعفه، حافظ اليسار الصهيوني على البنية الاستعمارية للتضامن. بقيَ تركيز الإجراءات منصبًا على الصراع الطبقي في مجتمع المستوطنين على حساب التضامن مع الفلسطينيين، كما كشفت مظاهرات عام ٢٠١١ التي قام بها الليبراليون الإسرائيليون، حينها تناوبت أشكال الحكم الجديدة، الأكثر ليونة وخشونة، على تجريد الفلسطينيين من ممتلكاتهم، وكلاهما يعتمد بشكل كبير على العلاقات النيوليبرالية منذ أوسلو.

تكيّفت الحركات اليسارية المختلفة حول العالم مع أشكال جديدة من الاستعمار الليبرالي (الجديد)، كما الحال في بناء سد بيلو مونتي في البرازيل من قبل حكومة حزب العمال التي صادرت ملكية السكان الأصليين. تشمل الأشكالُ الأخرى مشاريعًا متعددة الثقافات للإدماج الاجتماعي والاقتصادي والاعتراف التي لا تغيّر البنية العرقية للمجتمعات.

وبذا، فإنّهم يشكّلون جزءًا مما أسماه عالم الاجتماع البرازيلي فلورستان فرنانديز "الثورة المضادة المطولة": جهد دائم من جانب البرجوازية البرازيلية التابعة لتخفيف التناقضات الناجمة عن عدم المساواة والإقصاء القادرة على أن تصبح قوة سياسية ثورية. على الرغم من التحالف الجليّ في ظل رئاسة بولسونارو، بين النخب الصهيونية والبرجوازية التابعة في البرازيل، سهّل تورّطهم منذ الثلاثينات في القضاء على اليسار الشيوعي المناهض للصهيونية خضوعَ البلاد للإمبريالية الأمريكية والتقارب مع المصالح الإسرائيلية.

يراوغ اليسار الصهيوني في مجال الهيمنة بهدف احتواء وإفراغ المكوّن السياسي للمشروع المعارض، وبالتالي يساهم في الدفاع عن السيادة الإسرائيلية على الأراضي الفلسطينية. تسعى هذه الممارسة التي سمّاها غرامشي بالتحويلية، إلى بناء الأعداء، وبعبارة أخرى، فلسطينيين وفق المنظورات الاستعمارية.

ترجع ممارسة اليسار الصهيوني للثورة المضادة إلى الموقف التاريخي لليساريين الأوروبيين الذين رفضوا عنف المستعمَرين المناهض للاستعمار ودعموا التحرّر ضمن المستعمرة فقط كنتيجة ثانوية للثورة في العاصمة. في مقاله عام ١٩٥٧، أدان فانون اليسار الفرنسي لعجزه عن فهم الصراع الطبقي الذي يتّخذ شكل التحرر الوطني في الوضع الاستعماري. بالنسبة للمثقف المارتيني، إنّ هذا الافتقار لفهم الاستعمار هو ما دفع الفرنسيين إلى اختزال نقيض الاستعمار إلى "المقياس الفردي للسلوك الأقل عنصرية، والأكثر انفتاحًا، والأكثر ليبرالية" وإلى انتقاد "تجاوزات" العنف المناهض للاستعمار.

يقول التبرير الزائف لهذا السلوك بوجوب إدانة بعض الحقائق ورفض الزوائد غير المتوقعة والتنصل من "التجاوزات" بهدف التأثير على الرأي العام الفرنسي. في هذه اللحظات من الأزمة، فيما تقف المعارضة وجهًا لوجه، يُطلب من جبهة التحرير الوطني توجيه عنفهم وجعله انتقائيًا!

وعليه، تقترح بتلر أساسًا للتعايش بين اليهود والفلسطينيين، وليس "تعدديةً ثقافيةً سهلةً… إذ يجب أن تتخلّى البنية المهيمنة الواسعة والعنيفة للصهيونية السياسية عن قبضتها على تلك الأراضي والسكان". بحكم منطقها الاستعماري الاستيطاني، تعمل الحركات الصهيونية على القضاء على أشكال الرفض المناهضة للصهيونية لتحافظ على حصرية الهوية اليهودية والأرض الفلسطينية. لا يعني هذا أنّ الصهاينة يمارسون العنف نفسه ضد الفلسطينيين وغيرهم من مناهضي الصهيونية، بما في ذلك اليهود، ولكن من المهم التأكيد على أنّ هذه الممارسات مترابطة. تلاحظ بتلر، أنّ المرء بحاجة إلى تحدّي السيطرة التي تمارسها الصهيونية على اليهودية، كما يحتاج بالقدر نفسه إلى تحدّي القهر الاستعماري الذي فرضته الصهيونية على الشعب الفلسطيني.

ومن الناحية الخاصة، فإنّ حركة التحرر الوطني الفلسطيني تمثّل حاليًا التحرر العالمي متجاوزة وجودها كجزء من النضال ضد الإمبريالية. لذلك، فإن اليهودية الأخلاقية تتطلب ممارسة مناهضة للصهيونية وتضامنًا جذريًا مع حركة المقاطعة المناهضة للاستعمار.

من تشييع الطالب البرازيلي إيدسون لويس دي ليما سوتو الذي قُتل على يد عناصر من جهاز القمع في ريو دي جانيرو بعد مواجهة دامية وسط المدينة، أواخر آذار ١٩٦٨. يُعدّ إيدسون من أوائل الطلاب الذين قتلوا على يد الحكومة العسكرية البرازيلية، وشكّلت تداعيات مقتله بداية عام مضطرب للنظام، أشعلت موجة من المظاهرات الاحتجاجية. يظهر نعشه ملفوفًا بالعلم البرازيلي وبجاوره أحدهم يحمل لافتة صغيرة كُتب عليها: "تسقط الامبريالية". ريو دي جانيرو، البرازيل. آذار، ١٩٦٨. (الأرشيف الوطني البرازيلي)

من تشييع الطالب البرازيلي إيدسون لويس دي ليما سوتو الذي قُتل على يد عناصر من جهاز القمع في ريو دي جانيرو بعد مواجهة دامية وسط المدينة، أواخر آذار ١٩٦٨. يُعدّ إيدسون من أوائل الطلاب الذين قتلتهم الحكومة العسكرية البرازيلية، وشكّلت تداعيات موته بداية عام مضطرب للنظام، أشعلت موجة من المظاهرات الاحتجاجية. يظهر نعشه ملفوفًا بالعلم البرازيلي وبجانبه أحدهم يرفع لافتة صغيرة كُتب عليها: "تسقط الامبريالية". ريو دي جانيرو، البرازيل. آذار، ١٩٦٨. (الأرشيف الوطني البرازيلي)

اليهود المناهضون للصهيونية والثورة المضادة في البرازيل

في خضم تشكّل المجتمع اليهودي البرازيلي في عشرينيات القرن العشرين، كانت السياسة مؤشر هوية مهم أبعد من الأصل والعرق والتديّن. ورغم الشعور المشترك بالأخوة والروابط فيما بينهم، شكل الصهاينة ومناهضو الصهيونية مجموعات تحمل مشاريعًا وكيانات سياسية متعارضة. وبينما أعدّ الصهاينة لصالح الاستعمار اليهودي لفلسطين والضغط على النخب الوطنية، فضّل المناهضون للصهيونية تطبيقًا دمجيًا ودوليًا يهدف إلى استيعاب اليهود في البرازيل وإشراكهم في الحركات العمالية.

نتيجة لهذا التقارب، تأسّس القطاع اليهودي في الحزب الشيوعي البرازيلي المرتبط بـ "بيسبا" (BISBA). وظيفته الرئيسية تكمن في توفير الدعم المالي والحماية لليهود الشيوعيين الذين اضطهدتهم الدولة. شدّد القطاع اليهودي على خصوصية اليهود في اليسار البرازيلي، وإن كجزء من النضال الدولي. شارك العديد من اليهود الشيوعيين ممن لعبوا دورًا مهمًا في الانتفاضة الشيوعية الفاشلة عام ١٩٣٥ في "النضالات العامة" للحزب الشيوعي البرازيلي.

بحكم غياب قاعدة اجتماعية متينة لمعاداة السامية في البرازيل، نمت التباينات بين الصهاينة والمناهضين للصهيونية في المجال التعليمي. شغل السود والسكان الأصليون حيّز "الآخر" ضمن العنصرية الهيكلية البرازيلية. تحمّلت التوافقيةُ الدينيةُ البرازيليةُ اليهوديةَ وتمّ احتواء المهاجرين اليهود في مشروع حكومي لتعزيز تبييض المجتمع البرازيلي في أوائل القرن العشرين. لذلك، لم يُجبر اليهود على التماهي مع وطن المنشأ أو مع المجتمع اليهودي.

شكّل الخلاف اللغوي بين اليديشية والعبرية ساحة للصراع بين المشاريع السياسية الصهيونية والمناهضة للصهيونية. عام ١٩٢٢، أوجب مؤتمر المنظمة الصهيونية العالمية على الصهاينة تعزيز هيمنة العبرية في التعليم اليهودي لتحقيق الهيمنة على الهوية اليهودية وعملها السياسي. عام ١٩٢٥، دعمت جمعية الاستعمار اليهودي المنخرطة في المستوطنة اليهودية جنوب البرازيل التعليم العبري والصهيونية. نتج عن ذلك تصدّعًا في التضامن المجتمعي.

رغم هذه النكسة في الخلاف مع الشيوعيين وصعود معاداة السامية في البرازيل، شهدت الثلاثينيات استفحال الصهيونية. كانت حركة الدولة الجديدة، "إستادو نوفو"، التي انطلقت عام ١٩٣٧ وضمّت نازيًا على رأس شرطتها السياسية، وشكّلت الحركة البرازيلية التوافقية جزءًا من قاعدتها الاجتماعية، وهي أكبر مجموعة فاشية خارج أوروبا. عام ١٩٣٨، أمرت الديكتاتورية بحل كل المراكز الصهيونية وصعّبت على المهاجرين اليهود دخول البلاد.

بيد أنّه لم يكن ثمّة مناخ من الخوف والاضطهاد ضد المهاجرين اليهود. تكيّف الصهاينة مع القيود التي فرضتها الحكومة بسهولة، إذ انتحلوا أسماءً برازيلية وروّجوا لأنشطة استعصت على المراقبة. بين عامي ١٩٣٣ و١٩٤٥، دخل ٢٤٠٠٠ يهودي إلى البرازيل، ما عنى زيادة بنحو الثلث في إجمالي عدد السكان اليهود.

ركّزت الدولة الجديدة اهتمامها على بناء الهوية البرازيلية الأصيلة والحفاظ على "تقاليد الأسرة البرازيلية". اقتصرت أيدولوجية الكراهية المعادية لليهود على أجزاء صغيرة من الحكومة والتوافقية. كانت الديكتاتورية محافظة ومعادية للأجانب والشيوعيين بشكل رئيسي. ونتيجة لذلك، كان الشيوعيون اليهود هم الأكثر اضطهاداً، أي أنّ معاداة الشيوعية هدّدت اليهود أكثر من معاداة السامية.

اعتُقِل اليهود الشيوعيون وعُذّبوا وقتّلوا ورحّلوا. تم ترحيل أولغا بيناريو بريستيس إلى أوروبا لتُقتل في معسكر الإبادة. أغلقت الشرطة "برازكور" (Brazcor) وداهمت "بيسبا". عملت الحكومة على وقف هجرة اليهود الشيوعيين بينما تسامحت مع هجرة الصهاينة. لم تنظر الدولة الجديدة للصهيونية بعين التهديد إذ تم تقديمها على أنها قومية طامحة لاستعمار بلد آخر.

في تلك الحقبة، كانت هناك ممارسات تضامنية يهودية، لكنّ الجماعات الصهيونية حاولت أن تتمايز عن مناهضي الصهيونية وحثّت المثقفين البرازيليين على طرح أنفسهم كممثلين حقيقيين للمجتمع اليهودي. عبر بناء الدعم من البرازيل للدولة اليهودية في فلسطين، سعى الصهاينة إلى إضعاف البدائل المناهضة للصهيونية في القاعدة الاجتماعية.

وبالفعل، أخذت النخب الصهيونية تفرض هيمنتها ضمن المجتمع اليهودي وفي المجتمع البرازيلي إبّان قمع اليهود الشيوعيين. ونتيجة لذلك، تحرّكت الدولة البرازيلية دعماً لخطة تقسيم فلسطين التي أدّت إلى إنشاء دولة "إسرائيل" في الجمعية العامة للأمم المتحدة عام ١٩٤٧ برئاسة الدبلوماسي البرازيلي أوزفالدو أرانيا.

العنف والقبول في ظل الهيمنة الصهيونية الليبرالية

خلال تشكّل الهيمنة الليبرالية التقدمية الصهيونية، تبنى الشيوعيون موقفًا غير صهيوني وليس مناهضًا للصهيونية. أحجموا عن مواجهة المشروع الصهيوني مسلّمين بحتميته. رغم الوهن السياسي، لا يزال اليهود غير الصهاينة يمثلون جزءًا مهمًا من المجتمع. سعوا للتنافس على التمثيل في الكيانات اليهودية لتجنب الدعم غير المشروط لإسرائيل، كما نظموا مؤسسات يهودية جديدة لصون الثقافة اليديشية وتعبئة الأجيال الجديدة في النضالات الوطنية والأممية. أبرز نموذج هو بيت الشعب أو "كازا دو بوفو" (Casa do Povo) الذي تأسس عام ١٩٤٦ في ساو باولو كمساحة للنضال اليهودي ضد الفاشية.

عندما تبنّى الاتحاد السوفييتي موقفاً عدائيًا من إسرائيل دعمًا للقومية العربية في خمسينات القرن الماضي، احتدمت المواجهات بين اليهود الشيوعيين والصهاينة في البرازيل. شكّلت لحظات الأزمة الدولية فرصًا لمساجلة توجّهات المنظمات اليهودية.

لاحقًا، نجح الشيوعيون في استعادة السيطرة على المؤسسة التي صارت مرتبطة بشكل مباشر بالقطاع اليهودي في الحزب الشيوعي البرازيلي. شغل رئيس القطاع اليهودي إدارة بيت الشعب، كان هذا الربط أساسيًا لاستمرار أنشطة اليهود الشيوعيين بعد الانقلاب العسكري سنة ١٩٦٤. تطورت المواجهة عقب ١٩٦٧ عندما اتهم القطاع اليهودي إسرائيل علانيةً بانتهاج طريقة إمبريالية مما جعله معزولًا عن بقية المجتمع والهيئات التمثيلية التي قطعت عنه كل الدعم السياسي والمالي.

بالرغم من مشاركة الصهاينة الاشتراكيين في الحملات ضد الدكتاتورية، إلا أن جزءًا كبيرًا منهم اختار الهجرة إلى "إسرائيل" خلال هذه الفترة. بقي الشيوعيون غير الصهاينة في المقاومة، ومرة أخرى، قاسوا أشد الاضطهاد والسجن والتعذيب والقتل على يد النظام. مجددًا، لم يكن بوسع الشيوعيين اليهود الاعتماد على دعم الكيانات التمثيلية ضمن مجتمعهم لأنّها فضلت الحفاظ على علاقات جيدة مع الديكتاتورية. كان المقاتلون الصهاينة اليساريون محميين بموجب الاتفاقيات المبرمة بين المؤسسات الصهيونية والنظام العسكري. في سياق الحرب الباردة، ظلّت الدولة المدعومة من البرجوازية المعادية للشيوعية تشكل تهديدًا أعظم لليهود من أي شكل من أشكال معاداة السامية.

عام ١٩٧٥، تلقى القطاع اليهودي والحزب الشيوعي البرازيلي ضربة قاسمة عندما اغتالت الدكتاتورية عشرة من قادة حزب الحزب الشيوعي البرازيلي واضطهدت العشرات من المناضلين، من بينهم عشرة مدرسين من مدرسة شوليم عليشيم. قُتل الصحفي اليهودي فلاديمير هرتسوغ بعد تعرّضه للتعذيب إبّان ملاحقة اليهود الشيوعيين. كان موته نقطة تحول مهمة أدّت للتعبئة الشعبية وأسهمت في انحطاط الديكتاتورية اللاحق. كما أنها شكّلت لحظة اجتذاب لتضامن الصهاينة الليبراليين، مثل الحاخام هنري سوبيل. ومع ذلك، فإنها لم تضع حدًا للأعمال العدائية تجاه المنظّمين من اليهود غير الصهاينة.

يمكن ملاحظة كيف تمّ تشييد الهيمنة الصهيونية الليبرالية، بواسطة العنف، ورعايتها ضد البدائل المناهضة للصهيونية التي واجهت الصهيونية: من فوق، عبر الدولة المعادية للشيوعية، ومن تحت عبر الحركات الصهيونية بما فيها اليسارية، وذلك من خلال إدانة اليهود الشيوعيين وعزلهم وطردهم وتكفيرهم.

في مواجهة استبداد الدكتاتورية والعزل المفروض من المؤسسات الصهيونية وصعود اليهود الاجتماعي والاقتصادي كونهم أحسنوا الاندماج في البياض البرازيلي، هاجرين أحيائهم الأصلية إلى مناطق الطبقة الأعلى، فقدت الحركة الشيوعية غير الصهيونية قاعدتها الاجتماعية. نتيجة لذلك، أُغلقت مدرسة شوليم عليشيم سنة ١٩٧٩. أدركت مجموعة من اليهود الشيوعيين، بزعامة ماكس ألتمان الذي ترأس بيت الشعب بين عامي ١٩٦٥ و١٩٧٩، أنّ حلقة اليهودية غير الصهيونية قد وصلت خاتمتها. ومن المنصف القول بأنّ هذه الأحداث خدمت مصلحة كلّ من النظام العسكري والنخب الصهيونية.

سنة ١٩٨٢، خلال مظاهرة ضخمة ضد مذبحة صبرا وشاتيلا في بيت الشعب، أحرق المعارضون سيارة ألتمان وسط الاشتباكات التي اندلعت في الشوارع. بمواجهة الحصار الصهيوني على بيت الشعب، ترك الشيوعيون المؤسسة التي أيّدت هيمنة الصهيونية الليبرالية التقدمية خلال عملية الدمقرطة البرازيلية في الثمانينيات. تدهورت المؤسسة وخسرت أهميتها حتى أغلقت أبوابها في النهاية. ورغم إعادة افتتاحه عام ٢٠١١، إلا أنّ تركيبة بيت الشعب الحالية تتكوّن من مؤسسات يهودية غير صهيونية وطيّعة، تقبل سيادة الاستعمار الاستيطاني الإسرائيلي على الأراضي الفلسطينية.

لذلك، يمكن ملاحظة كيف تمّ تشييد الهيمنة الصهيونية الليبرالية، بواسطة العنف، ورعايتها ضد البدائل المناهضة للصهيونية التي واجهت الصهيونية: من فوق، عبر الدولة المعادية للشيوعية، ومن تحت عبر الحركات الصهيونية بما فيها اليسارية، وذلك من خلال إدانة اليهود الشيوعيين وعزلهم وطردهم وتكفيرهم. وهي هيمنة، كما فهمها غرامشي، مضمونة في المرحلة الأخيرة بالإكراه متى ثبت أن النزاعات الثقافية غير كافية.

من الجدير ملاحظة تزامن أفول الحركة اليهودية غير الصهيونية مع تمتين الحركة الفلسطينية البرازيلية. عام ١٩٨٠، تأسس اتحاد المؤسسات العربية الفلسطينية في البرازيل (FEPAL) كممثل رسمي للفلسطينيين لدى منظمة التحرير الفلسطينية. بعد فترة وجيزة، أصبحت الحركة الفلسطينية هدفاً للصهاينة، حتى التقدميين منهم. عام ١٩٨٥، أعلن الحاخام سوبل أن الغرض من اجتماع الشباب الفلسطيني المنعقد آنذاك كان "تدريب الإرهابيين".

صورة من احتجاج شعبي على زيارة ريغان إلى البرازيل عام ١٩٨٢، تظهر لافتة لحزب العمال البرازيلي كُتب عليها: "ريغان، إرحل! تسقط الديكتاتورية".

صورة من احتجاج شعبي على زيارة ريغان إلى البرازيل عام ١٩٨٢، تظهر لافتة لحزب العمال البرازيلي كُتب عليها: "ريغان، إرحل! تسقط الديكتاتورية". جاءت جولة ريغان في أميركا اللاتينية التي ابتدأها من البرازيل بمثابة إعلان عن طي صفحة القطيعة التي اتّسمت فيها العلاقة بين الدولتين منتصف السبعينات، رغم أنّ الدولتين تحالفتا خلال الحرب العالمية الثانية كما دعمت الولايات المتحدة القوات المسلحة البرازيلية عندما استولت على السلطة. إلا أن البرازيل اتّبعت نهجًا دبلوماسيًا منحازًا إلى العالم الثالث، اشتمل على قرارات بتطوير طاقتها النووية بما يسمح بصنع أسلحة، والاعتراف السريع بالحكومات الماركسية في أنغولا وموزمبيق، والتصويت لصالح قرار الأمم المتحدة الذي يدين "الصهيونية". سنة ١٩٧٧، أنهت البرازيل بشكل مفاجئ اتفاقية المساعدة العسكرية التي استمرت ٢٥ عامًا مع الولايات المتحدة، وذلك بسبب انتقادات إدارة كارتر لأوضاع حقوق الإنسان في البرازيل. كانون الأول، ١٩٨٢. البرازيل. (أرشيف حزب العمال البرازيلي)

خلاصة

اتّسمت الجمهورية الجديدة (١٩٨٠–٢٠١٦) بالتوفيق الطبقي والبراغماتية، وضمنت هيمنة الصهيونية الليبرالية حتى أوائل العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، لا سيما خلال فترة حكم حزب العمال بين عامي ٢٠٠٣ و٢٠١٦. بيد أنّ استمرار الفلسطينيين والحركات اليسارية الجذرية بالتعبئة الشعبية خلال التسعينيات ومطلع القرن الجاري سمح للبرازيليين بالتجاوب مع دعوة الفلسطينيين للتضامن والمقاطعة سنة ٢٠٠٥.

على أية حال، تماشت الحراسة النشطة لبوابات اليسار الصهيوني مع مصالح البرجوازية في الحفاظ على علاقات أوثق مع إسرائيل لأغراض التكنولوجيا العسكرية والأمنية والتجارة الزراعية، مما حال دون انضمام المزيد من اليهود والمنظمات اليسارية إلى صفوف الحركات الجديدة المناهضة للصهيونية والداعمة لفلسطين.

يحارب اليسار الصهيوني الجذرية في نضال الفلسطينيين واليهود وغير اليهود المناهض للاستعمار ضمن اليسار. والنتيجة هي حصر المعارضة في معاداة الصهيونية الطوعية التي تخضع لهيمنة الاستعمار الصهيوني الليبرالي.

يلقى الاحتيال الخطابي لليسار الصهيوني الدعم بين اليهود الليبراليين والليبراليين اليساريين البرازيليين الذين اعتادوا استرضاء البرجوازية الوطنية والرجعية في السياسة الخارجية. وهكذا، يتحالف الصهاينة اليساريون مع مصالح البرجوازية التابعة ويتصرّفون كحَرَس البوابات، ويمنعون اليهود وسواهم من مناضلي اليسار البرازيلي المعتدل اتّخاذ موقف أكثر جذرية في مناهضة الصهيونية.

لا يعمل اليسار الصهيوني على تفكيك معاداة السامية، بل يركّز أساساً على إبقاء الاستعمار الناعم في فلسطين والبرازيل. إنّ الاعتراف بمركزية الاستعمار ضد الفلسطينيين في تشكيل الهوية اليهودية المعاصرة هو خطوة ضرورية في نزع الاستعمار عن كلّ من فلسطين واليهودية.

برونو هوبرمان

برونو هوبرمان هو أستاذ العلاقات الدولية في الجامعة البابوية الكاثوليكية في ساو باولو، صدر له عام ٢٠٢٣ كتاب بالإنجليزية "الفلسطينيون والقدس الشرقية: تحت الاستعمار الاستيطاني النيوليبرالي".

فاطمة فؤاد السمان

فاطمة فؤاد السمان هي كاتبة وباحثة في مصدر عام.

ساسين كوزلي

    image/svg+xml

    هل هذه القصة قيّمة برأيكم؟ ساعدونا في الاستمرار لإنتاج القصص التي تهمكم من خلال التبرع اليوم! تضمن مساهمتكم استمرارنا كمصدر مُجدٍ ومستقل وجدير بالثقة للصحافة المعنية بالمصلحة العامة.