Main Content
مجموعة من ست نساء أمازيغيات يجلسن على الأرض كتفًا لكتف. جميعهن لديهن شعر ووجوه مغطاة جزئيا؛ واحدة منهن تتحدث في مكبر الصوت.

صورة من فيلم "أموسّو" (2019) للمخرج نادر بوحموش. الذي يروي قصة سكان ضيعة إميضر في جنوب شرق المغرب الذين "أغلقوا أنبوب المياه عن أكبر منجم للفضة في إفريقيا لإنقاذ واحتهم … (ولاحقا) اجتمعوا للغناء خلال احتفالهم بنتيجة تحركاتهم." (الصورة: محمد الداوودي)

 

 

تفكيك آلية "الغسل الأخضر": استراتيجيات من القاعدة

تم نشر هذه القصة بالاشتراك مع غريست.

على مدى السنوات العديدة الماضية، قامت حكومات وشركات أوروبية باتخاذ خطوات للاستفادة من إمكانيات المنطقة في مجال الطاقة المتجددة، حيث قامت بالاستثمار في مشاريع ضخمة تهدف إلى احتساب طاقة الشمس من الصحاري الشاسعة في المنطقة وتصدير الكهرباء شمالًا.

 وتقوم دول الخليج النفطيّة التي تشكل محور القوة المالية والجيوسياسية للعالم العربي، أيضًا بتطوير محطات لإنتاج الهيدروجين الأخضر وحقول للطاقة الشمسية، بهدف استخدام الطاقة المتجددة داخليًا لتحرير المزيد من احتياطيات الوقود للتصدير.

ومع ذلك، يشعر الناشطون والسكان بالقلق من أن تعيد المشاريع الجديدة إنتاج نفس الممارسات الاستغلالية المرتبطة بصناعة الوقود الأحفوري: الاستيلاء على الأراضي، والتلوّث غير المراقب، واستغلال السكان الأصليين.  

بعد مرور عقد من الزمن على بداية الانتفاضات العربية، حين اندلعت احتجاجات شعبية ضد القمع والتخلف الاقتصادي من تونس إلى سوريا، لا تزال قائمة العديد من الهياكل السلطوية، نفسها أو أخرى بنفس القسوة، ويبدو أن بعض هذه الحكومات تعطي أولوية لاحتياجات بلدان أوروبا في مجال الطاقة المتجددة قبل تلبية مطالب شعوبها الخاصة. وعلى الرغم من هذه التحديات، ما هو الشكل الذي قد يتخذه الابتعاد عن الوقود الأحفوري في العالم العربي - الذي يوزع الفوائد على السكان دون استغلال المجتمعات القريبة من مصادر الاستخراج - وما الذي قد تستفيد منه دول أخرى؟

هذه هي المسألة التي حاول الناشط والباحث الجزائريّ حمزة حموشان استكشافها، على مدى الخمس سنوات الماضية. ضمن إطار عمله مع المعهد العابر للحدود، وهو معهد بحوث ودعم دولي يقع في أمستردام، قام بإجراء مقابلات مع الناس في شمال أفريقيا للاستفسار عن تجاربهم في العيش بالقرب من مستودعات النفط والغاز وخطط مشاريع الطاقة المتجددة. وأسفر هذا البحث عن كتاب جديد من المقالات، تحرير: حموشان وكاتي ساندويل، أيضًا من المعهد العابر للحدود، ويحمل عنوانَ "تفكيك الاستعمار الأخضر: العدالة في مجال الطاقة والمناخ في المنطقة العربية".

بدلاً من خدمة المجتمعات العربيّة، تتعلّق معظم المشاريع المقترحة للطاقة المتجددة بتصدير الطاقة إلى الخارج، ولا تقدّم الكثير لخدمة السكان المحليين.

يستند الكتاب بصورة أساسيّة إلى الحاجة الملحة للابتعاد عن الوقود الأحفوري في منطقتنا. تشهد مساحات كبيرة من الشرق الأوسط وشمال أفريقيا ارتفاعًا يقترب من ضعف معدل الارتفاع العالمي، مع تأثيرات مدمّرة: حرائق في غابات الجزائر وسوريا، وعواصف رملية تخنق الهواء في العراق، وموجات حرارة قاتلة تستولي على المراكز المدنيّة. ولكن بدلاً من خدمة المجتمعات العربيّة، تتعلّق معظم المشاريع المقترحة للطاقة المتجددة بتصدير الطاقة إلى الخارج، ولا تقدّم الكثير لخدمة السكان المحليين. في هذه الأثناء، أشارت دول الخليج إلى عزمها على استخراج كل قطرة من وقودها حيث قام رئيس COP 28، سلطان الجابر، حتى بالتشكيك في علم تغيّر المناخ في المؤتمر الذي عُقد في دبي مع بداية هذا الشهر. جلسنا مع حموشان لمناقشة المؤتمر COP 28 وكتابه الجديد ومستقبل الطاقة المتجددة في المنطقة. تمّ تلخيص وتحرير هذه المحادثة من أجل المزيد من الإيضاح.

لماذا يجب أن يولي الأشخاص الذين يهتمون بالتحول العالمي من الوقود الأحفوري انتباهًا لما يحدث في العالم العربي؟

أولاً وقبل كل شيء، هناك العديد من الأمثلة في المنطقة على ما يسمونه بمناطق التضحية [لخدمة] الانتقال الطاقي في أوروبا، من خلال مشاريع التصدير والاستيلاء على الأراضي. ثانيًا، إذا نظرنا إلى الأرقام، فإن 35 في المائة فقط من النفط الذي أنتج في العالم كان من إنتاج الشرق الأوسط في العام 2021. إنّ المنطقة نقطة مركزية في نظام الوقود الأحفوري العالمي. وهذا ما وصفه آدم هنيّة بشكل ممتاز في فصله في الكتاب. لقد أطلق تحذيرًا لحركة العدالة المناخية ويقول أن دول الشرق الأوسط، خاصة دول الخليج، ستكون بطلة لا يمكن إنكارها في أي نقاش حول تخليص العالم من الوقود الأحفوري. ونرى هذا الآن، في COP 28 في الإمارات، حيث سلطان الجابر، رئيس COP 28، هو رئيس تنفيذي لشركة النفط -أبوظبي.

وفي الشهر الماضي، أفادت عدة أنباء عن وثائق سرية تكشف عن خطط الجابر للحصول على صفقات للوقود الأحفوري في COP 28، وفي الأسبوع التالي أثار جدلاً بسبب نفيه لعلم تغيّر المناخ.

صحيح، هنا تكمن المشكلة. ستشكّل هذه الدول الخليجية تحديًا كبيرًا حقًا للتحوّل عن الوقود الأحفوري. لذا بالنسبة لحركة عدالة المناخ العالمية، لن يصيبوا إذا كانوا يركزون فقط على الشركات الغربية مثل BP Shell أو Exxon Mobil. يجب التركيز على رأس المال الخليجي أيضًا، وهذا مرتبط بمسألة الديمقراطية في المنطقة وإعادة توزيع الثروة الإقليميّة.

عندما نتحدث عن المنطقة العربية، يكون هناك اتجاه لوضع كل دولة في نفس السلة، مثل السعودية واليمن، أو لبنان والإمارات. هذه الدول تنتمي إلى فئات مختلفة تمامًا. إنها المسألة لا تقتصر على ثراء الخليج فقط، بل إنّ دول الخليج تشارك أيضاً في الاستيلاء على الأرباح على الصعيدين الإقليمي والمحلي، مكررة نفس الممارسات التي نراها من الدول الاستعمارية – مثل الاستيلاء على الأراضي في مصر والسودان وحتى شرق أفريقيا.

وجميع هذه الأماكن تشهد تصاعد خطورة أزمة المناخ.

حدثَت حرائق مميتة في غابات الجزائر خلال السنتين الماضيتين، وفيضانات في ليبيا أسفرت عن مقتل أكثر من 10,000 عشرات الآلاف، وجفاف أثر على صغار المزارعين على إنتاج الطعام. رأينا ارتفاع مستوى سطح البحر بما يهدد بعض الجزر في البحر الأبيض المتوسط ​​مثل جربة وقرقنة في تونس. كذلك التصحر، وموجات الحر - الآثار حقيقيّة والناس يعانون منها الآن. وهي فعلاً تؤدّي إلى تفاقم الأزمة التي تعيشها المنطقة على مستويات عدّة. ليس فقط أزمة بيئية أو مناخية، ولكن أيضا أزمة غذائية واجتماعية واقتصادية وسياسية وأزمة في الطاقة، وهي جميعها قنبلة موقوتة.

فلنتحدث عن الكتاب. لماذا جمعت هؤلاء الباحثين لكتابته؟

إنّ معظم الكتابات والتحليلات المتمحورة حول الأزمة البيئية والمناخيّة وانتقال الطاقة تسيطر عليها مؤسسات نيوليبرالية دولية مثل البنك الدولي، ووكالات المساعدات الدولية، ووكالات الاتحاد الأوروبي ،ووكالة التنمية الأمريكية، وغيرها. والتحليلات فيها منحازة نحو الطرف الأقوى. فهم لا يأخذون في الاعتبار المسائل الطبقيّة والعرقيّة والجنسيّة والسلطويّة والتاريخ الاستعماري. لذلك تأتي الحلول التي يقترحونها سطحية، إذا جاز القول. إنها لا تتناول الأسباب الجذرية للأزمة البيئية وأزمة الطعام والطاقة. لذلك جاء الكتاب ليعالج هذا الوضع عن طريق تسليط الضوء على آراء من المنطقة العربية، وكيفية جعل عملية انتقال الطاقة عادلة ومنصفة للمجتمعات والعمال في المنطقة.

امرأتان تحملان لافتة كتب عليها "#300kmSouth" على أحد الجانبين و"#NoDAPL" على الجانب الآخر. وخلفهم صف من رجال الشرطة.

سكان ضيعة إميضر في المغرب يحتجّون ضد شركة "مناجم للتعدين" وضد خط أنابيب "داكوتا آكسس" خلال قمة COP22 التي عقدت في مراكش. 20 نوفمبر 2016. (الصورة: حمزة حموشان)

هل يمكنك وصف الظلم المناخي واستخراج الوقود الأحفوري في المجتمعات التي قمت بدراستها في شمال أفريقيا؟

في الجزائر، قمت بعمل ميداني في بلدتَين، ورقلة وعين صالح. في عين صالح، حدثّت إنتفاضة للتكسير الهيدروليكي في الفترة الواقعة بين 2014 و2015. فرأيْتً أنّه من المهمّ دراسة الوضع هناك، ومقابلة الناس والقادة والنشطاء الذين شاركوا في تلك الانتفاضة. كانت انتفاضة حقيقية لأن جميع عناصر المجتمع شاركت فيها - النساء، وكبار السن، والشبان، والطلاب، والعمال - لأنهم رأوا [التكسير] كنوع آخر من التهميش. لقد قامت السلطة العسكرية الجزائرية، جنبًا إلى جنب مع الشركات الوطنية والأجنبية، باستخراج الوقود، ثم خلقوا منطقة تضحية جديدة عن طريق تلويث المياه، وذلك دون أن تنتفع المجتمعات المحلية.

في عين صالح، حدثّت إنتفاضة للتكسير الهيدروليكي في الفترة الواقعة بين 2014 و2015 ... كانت انتفاضة حقيقية لأن جميع عناصر المجتمع شاركت فيها - النساء، وكبار السن، والشبان، والطلاب، والعمال - لأنهم رأوا [التكسير] كنوع آخر من التهميش.

أيضاً، في تونس والمغرب عمليات استخراج الفوسفات. إذا زرت هذه المواقع، ستفهم حقًا معنى مناطق التضحية. إنه يؤثر حقًا على أجساد الناس، وصحتهم، وبيئتهم، وهوائهم. فبالقرب من المنجم في قابس، في تونس، حيث يتم معالجة الجزء الأول من الفوسفات من أجل تصديره، يرتدّ الأمر على الصيادين، وصغار الفلّاحين، وعلى المياه التي يتمّ نهبها.

لقد قلْتَ أنّ التاريخ الاستغلالي لصناعة الوقود الأحفوري في شمال أفريقيا والشرق الأوسط هو ماضٍ حلّنا أن نبتعد عنه. أتسائل إذا ما كان لديك رؤية لما يجب علينا أن نتجه نحوه؟

الوضع يختلف من بلد إلى آخر. إذا كنا حقًا نتحدث عن انتقال عادل، يجب أن نتحدى سلطة الخليج، من حيث استبدادهم، وأيضًا من حيث تراكم رأس المال وكيف يهيمنون على مختلف القطاعات في المنطقة العربية. نريد التحول من نظام استخراجيّ، وقود أحفوري، مدمّر للبيئة ومستغلّ للمجتمعات ، إلى نظام أكثر استدامة وعدالة وإنصاف لجميع أعضائه. يطلق الناس على هذا الأمر أسماء مختلفة. أنا أسمّيه "الايكو-اشتراكية". لست متشدّداً في ذلك، طالما أنّنا نتفق على المبدأ ونريد مستقبلًا أكثر عدالة واستدامة.

هذا طموح قد يكون بعيد المنال.

لا بل هو حلم. ماذا يمكن أن نفعل الآن؟ فلنقل أنّنا نركّز على مسألة الطاقة. يجب عدم النظر الى الطاقة على أنّها سلعة خاصة. بل يجب أن تكن خدمة عامة. وهناك العديد من الأمثلة التي تؤكّد أنّ الأمر غير تعجيزيّ. وعليه، نحن بحاجة إلى إلغاء الخصخصة، في ما جرَت الخصخصة فيه في قطاع الطاقة، ونحن بحاجة إلى مقاومة جميع محاولات خصخصة الطاقة المتجددة كما نرى في تونس والمغرب ومصر والأردن، وحتى في الجزائر. في الوقت نفسه، يجب أن تشارك المجتمعات المحلية والعمال في هذه المشاريع. وهنا يأتي سؤال الديمقراطية. لا نتحدث عن الانتخابات، في مفهومها الليبرالي البورجوازي. نتحدث عن المجتمعات التي تشكل تلك المشاريع وتحتضنها. لن يكون كل شيء مثاليًا، ستكون هناك تسويات، ستكون هناك أخطاء، ولكن إذا كنا نريد تجنب خلق مناطق تضحية خضراء جديدة ، هذا ما يجب أن نقوم به.

نظرًا إلى أن جميع الدول، وليس فقط الولايات المتحدة وأوروبا، عليها التحول بعيدًا عن الوقود الأحفوري، كيف تنظر إلى المشاريع الضخمة للطاقة المتجددة التي يتمّ اقتراحها في المنطقة؟

جميع الدول ملزمة بالانتقال نحو الطاقة المتجددة. ولكن نظرًا لأن المسؤولية التاريخية عن أزمة المناخ تقع في الغرب الصناعي، فإن هذه الدول تحتاج إلى التحرك بسرعة للاستثمار في الطاقة المتجددة. وليس فقط الغرب، سأضع الخليج أيضًا في هذا السياق. تقع عليها مسؤولية كبيرة. سأضع الصين أيضًا في هذا السياق.

ولكن بالنسبة للجنوب العالمي، لا يمكنك أن تأتي وتقول لتونس يجب أن تتحرك بأسرع ما يمكن نحو الطاقة المتجددة، صح؟ هذه الدول لديها الحق في التنمية. لديها الحق في توفير معيشة لائقة [لشعوبها] قبل التفكير في التصدير، ولكن ما نراه الآن هو العكس. نحن نرى هذه الدول تتحمل عبء انتقال الطاقة.

جميع هذه المشاريع الضخمة تُنفَّذ للتصدير، وليس لإنتاج الطاقة للأسواق المحلية - ديزيرتيك في ست دول عبر شمال أفريقيا، إكسلينكس في المغرب، تونور في تونس. تمّ تطويرها من قبل القطاع الخاص، بواسطة شركات أجنبية.

جميع هذه المشاريع الضخمة تُنفَّذ للتصدير، وليس لإنتاج الطاقة للأسواق المحلية - ديزيرتيك في ست دول عبر شمال أفريقيا، إكسلينكس في المغرب، تونور في تونس. تمّ تطويرها من قبل القطاع الخاص، بواسطة شركات أجنبية. غالبًا ما تكون إما شركات غربية أو خليجية، وبعضها صيني أيضًا. وتتمّ جميع هذه المشاريع من خلال شراكات القطاع الخاص والعام، وبعبارة أخرى من خلال تخصيص الربح وتحميل الخسائر للمجتمع. أنا لست ضد هذه المشاريع الضخمة، لأننا بحاجة للانتقال بسرعة نحو الطاقة المتجددة، نظرًا لتصاعد أزمة المناخ الحالية. يجب علينا التنازل، ولكن ليس على حساب المجتمعات المحلية، وليس على حساب أهداف التنمية في البلدان الأقل تقدمًا، وليس على حساب الوصول إلى الطاقة.

المحزن أن الكثير من الأماكن التي تطوّر الطاقة المتجددة للتصدير لا تلبي احتياجات سكانها من الكهرباء.

دعني أعطيك هذا المثال. في ناميبيا، هناك مشروع كبير للهيدروجين الأخضر يُبنى الآن مع السلطة الاستعمارية السابقة، ألمانيا. المشروع مملوك من الألمان والبريطانيين. إنهم يقومون ببناء مشروع ضخم، يقومون ببناء لوحات شمسية، ومزارع الرياح، ثم يستخدمون مياه مكرّرة لتفكيك جزيئات الهيدروجين وتصدير الهيدروجين الأخضر إلى ألمانيا.

 في ناميبيا، 45 في المائة من السكان لا يحصلون على الكهرباء، والكهرباء التي يستخدمونها مستوردة من جنوب أفريقيا. كان من الممكن أن يكون لهذا المشروع معنى إذا كنت تقوم ببناء محطات لتوليد الكهرباء الخضراء للإستعمال المحليّ، صحيح، ولكن ليس لتوليد الكهرباء الخضراء للتصدير.

في فلسطين، الوضع أكثر تحديًا، لأن الاحتلال العسكري الإسرائيلي يمنع وصول الناس إلى الكهرباء. والأمر سيّان في الصحراء الغربية، التي تحتلها المغرب.

الديناميات الاستعمارية التي ذكرتها في مشاريع التصدير ظاهرة بوضوح في المشاريع المتجددة التي تُقام في الأراضي المحتلّة مثل فلسطين وهضبة الجولان والصحراء الغربية، لأنها تحدث على حساب الشعوب المستعمرة وتتعارض مع حقهم في تقرير المصير. قد صوّرت إسرائيل فلسطين قبل عام 1948 كصحراء فارغة وقاحلة، التي أصبحت واحة مزدهرة بعد إنشاء دولة إسرائيل. إن إسرائيل تغطي جرائمها الحربيّة ضد الشعب الفلسطيني عبر التظاهر بأنها بلد بيئيّ متقدم، في مستوى أعلى من سائر منطقة الشرق الأوسط المخيفة والقاحلة. تمّ تعزيز موقفها هذا بتوقيع اتفاقيات الابراهام بين إسرائيل ودولة الإمارات والبحرين والمغرب والسودان في العام 2020، ومن خلال اتفاقيّات تنفيذ مشاريع بيئية مشتركة - الطاقة المتجددة والزراعة والمياه، والتي تُصنَّف كشكل من أشكال "التطبيع البيئي" – أي استخدام "البيئة" لتقليص مخاطر الاحتلال الإسرائيلي وتجميله.

 يجب علينا دائماً أن نسأل: من يمتلك ماذا؟ من يفعل ماذا؟ من يحصل على ماذا؟ من يربح ومن يخسر؟ ومصلحة من يخدم الأمر؟ لأنه إذا لم نطرح هذه الأسئلة، سننتقل مباشرة إلى الاستعمار الأخضر، مع تسارع الإستخراج والإستغلال، في خدمة ما يُسمى بـ"أجندة خضراء" مشتركة.

لقد ذكرْنا كيف أن مشاريع الوقود الأحفوري والطاقة الخضراء غالبًا ما تستخرج الموارد من المجتمعات وتقدّم القليل في المقابل. هل يمكنك أن تفكر في مثال ناجح، يقدم نوعًا من الدليل على حلّ عادل لمشاكل العدالة المناخية؟

في عام 2011، في ذروة الثورة التونسية، أعاد المجلس الثوري في بلدة جمنة الواقعة في الواحات الجنوبية، الأرض التي سُلبت من السكان خلال العهد الاستعماري. حتى بعد الاستقلال في عام 1956، قدمت الدولة الأرض لمستثمرَين اثنين استولَيا على كل ثرواتها.

 

لذا في عام 2011، أعاد أهل جمنة الأرض وبدأوا في إدارة الواحات بأكملها ... وقاموا باستثمار كل الإيرادات التي حصلوا عليها لمنفعة الجماعة.

لذا في عام 2011، أعاد أهل جمنة الأرض وبدأوا في إدارة الواحات بأكملها، سواء في مجال الزراعة أو بيع التمور أو التسويق لها. وقاموا باستثمار كل الإيرادات التي حصلوا عليها لمنفعة الجماعة. قاموا بترميم المدرسة، واشتروا سيارة إسعاف. لقد كان ذلك مؤثّراً فعلاً. عندما يُعطى الناس القدرة، وخاصة في سياق ثوري، يمكن للناس أن يفعلوا الكثير.

لقد مرّت أكثر من 10 سنوات على الثورات العربية، وكانَت بعض النتائج محبطة. كيف يمكن للمجتمعات في جميع أنحاء المنطقة أن تنهي اعتمادها على الوقود الأحفوري دون التضحية بطموحات الديمقراطية والحرية؟

ما تسألني عنه هو كيف سنجعل الثورة التالية ناجحة، صحيح؟ ليس هناك إجابة سهلة على هذه النقطة. التاريخ أظهر لنا كيف تفشل معظم الثورات. هذا هو الواقع، حتى أنّ بعض الثورات تنجح على حساب ثورات أخرى. رأينا ثورة فرنسا التي استغرق الأمر بعدها أكثر من قرن لتصبح جمهورية. الأمر نفسه يحصل في المنطقة العربية. رأينا موجتين من الانتفاضات، الأولى في 2011. تمّ هزيمة معظمها. هذا هو الواقع. ثم رأينا الموجة الثانية [في عام 2018]، وتمّ هزيمة معظمها. ولكن ما يظهر هو أن هناك ثورة قائمة طويلة المدى ومستدامة تعتريها مراحل متقلّبة بين انتصارات وهزائم. ما نعلمه هو أن الناس في المنطقة ليسوا ضحايا ساكنين. بل هم يقولون: "نحن هنا. سنقاوم".

ليلّا يونس

ليلّا يونس كاتبة في غريست، غرفة أخبار غير ربحية مقرها في الولايات المتحدة وتغطي العدالة البيئية وأزمة المناخ. هي أيضًا أستاذة صحافة البيانات في جامعة مدينة نيويورك.

ساسين كوزلي

    image/svg+xml

    هل هذه القصة قيّمة برأيكم؟ ساعدونا في الاستمرار لإنتاج القصص التي تهمكم من خلال التبرع اليوم! تضمن مساهمتكم استمرارنا كمصدر مُجدٍ ومستقل وجدير بالثقة للصحافة المعنية بالمصلحة العامة.