صلاة واجبة
أجول في قرية عرفتها منذ زمن طويل.
أعود الى طفولتي، حين زرت مع عائلتي لأول مرة ”بوابة فاطمة“، أذكر سعادتي آنذاك، بوابة باسمي!
أستذكر شريطًا صورته أمي في ذاك النهار، أسمع صوت أبي يشرح، "من هناك انسحب الإسرائيليون ليلاً من جنوب لبنان الذي احتلوه 22 عاماً، تحت وطأة ضربات المقاومة…" يسأله اخي الصغير " يعني وين الإسرائيلي؟"، أجيب بسرعة: "ما عم يقلك هربوا!"
إذا تحولت بوابة فاطمة التي تفصل كفركلا اللبنانية عن قرية المطلة في فلسطين المحتلة إلى مَحَجٍّ للناس، أمر لم تحتمله إسرائيل، فبنى جيشها جدارًا بطول خمسة كيلومترات فوق خط الحدود.
إنّ جل ما يفعله الجدار هو سجن الإسرائيليين أنفسهم!
بعد ٢٤ سنة من أول مشوار، أزور القرية مع صديقتي، بنت كفركلا، تعود إليها لأول مرة منذ سنة ونيف، نجتاز بصعوبة ساترًا ترابيًا، ونصل الى مدخل القرية، "هاي الضيعة؟" تسأل، أجيبها بعد دقائق: "بعرفش!" نمشي لدقائق معدودات، ننظر من حولنا، لا أدري أين الساحة، وأين الطريق، لم أجرؤ أن أسأل، أين هي القرية؟
نمشي قليلًا، وكما في كل قرية حدودية، يصادفنا مشهدٌ دائمًا ما يتكرّر: نساء ورجال وأطفال ينكشون في الأرض، يمسكون عدّة الزراعة بحثًا عن أي أثر لشهيد. من بعيد، يبدون للرائي كمن يزرع في الأرض. أفكر … هكذا يزرع أهل الجنوب.
ندخل إلى ما تبقى من بيتها، "الحمدالله مش مخربشين ع حيطان البيت!"، تتفقد كل غرفة، "هون كان ينام خيي، هيدا الصندوق يلي قلت لأمي تجيبو ونسيت!" نقف على سطيحة المنزل، تغمرها الفرحة وهي تقول لي "بتعرفي، هي أول مرة من سنة ونصّ بصلّي واجب!"
نصل إلى جبانة القرية، نسمع شيخ القرية ينعى شابًا سعيدًا " فضل يحيى، ما ترك الضيعة… استشهد ببيتو، وما كان بدو يفل من كفركلا، ما كان لازم يضل، بس ضل يساعد هَالشباب، وما ترك البيت!"
أجيب نفسي، إذا لقد وجدتُ القرية.





