Main Content

المشهد التاسع: شارع الشرارات الأولى

ألتصق بالشاشة الصغيرة بحثًا عن أخبار الالتحام، أسافر بذهني إلى القرى القديمة. أغمض عيناي، وأشعر بدفء الأرض يتسرّب إلى جسدي، تتردد نبضات القلب مع كل طلقة! طلقات شبابنا المدبرين، العابرين. أصعد جنوبًا، أحسد جوف الحقول الذي يصغي لهمساتهم، أشمّ رائحة الدم والتراب. أطير فوق سهل الخيام، فأشاهد موقع المطلة يحترق!

بتمام الساعة الرابعة فجرًا يخترق صوت الغارة خيالي، فأنهض. أتّجه إلى شارع فتح الله، شارع الشرارات الأولى، أحاول العودة لذلك الزمان، لكن رائحة الدمار تجبرني على البقاء مستيقظة. 

يذكّرني أهل المنطقة بضاحية أشتاقها، تحاوطني وجوه الأحياء المعلقة على الجدران. ها هو العدو يحاول عبثًا أن ينتقم من الأرواح النائمة في منازلها وأماكن نزوحها. أسعى للاحتفاظ بصورة البيوت ووجوه أهلنا وهم يبحثون عن الحياة، لا الموت! أدرك أنّ لا سبيل لالتقاط صور الخيال، أو حتى مشاعر الأجساد، إن عجز آلاتنا وإيماننا بشعورنا يجعلنا ننحني فقط أمام الأحياء فعلا بيننا.

مغلّف رسالة من أحد المنازل المدمّرة جراء العدوان الصهيوني على شارع فتح الله، هوى على سيارة متضرّرة. بيروت، لبنان. ٢٣ كانون الأول، ٢٠٢٤. (مصدر عام، فاطمة جمعة)
رجل بقميص أحمر يدخّن سيجارته مارًا أمام بيت بيروتي تراثي مدّمر جرّاء العدوان الصهيوني على منطقة البسطة. بيروت، لبنان. ٢٣ كانون الأول، ٢٠٢٤. (مصدر عام، فاطمة جمعة)
قطة مقتولة في شارع فتح الله عقب الضربة الإسرائيلية التي استهدفت منطقة البسطة في العاصمة اللبنانية. بيروت، لبنان. ٢٣ كانون الأول، ٢٠٢٤. (مصدر عام، فاطمة جمعة)
جنود من الجيش اللبناني يقفون أمام صورة للسيد الشهيد نصر الله في شارع فتح الله. بيروت، لبنان. ٢٣ كانون الأول، ٢٠٢٤. بيروت، لبنان. (مصدر عام، فاطمة جمعة)
صورة مطبوعة للإمام الخميني على أحد الجدران في شارع فتح الله. بيروت، لبنان. ٢٣ كانون الأول، ٢٠٢٤. (مصدر عام، فاطمة جمعة)
شعارات مكتوبة على مبنى متضرر في شارع فتح الله عقب الاستهداف الصهيوني على منطقة البسطة، "نصر من الله وفتح قريب، لبيك يا نصر الله"، بينهما صورة مطبوعة للشهيد على طريق القدس، المجاهد محمد علي كمال قبلان. بيروت، لبنان، ٢٣ كانون الأول، ٢٠٢٤. (مصدر عام، فاطمة جمعة)
رجل يتأمل الدمار عقب العدوان الصهيوني على فتح الله، يقف أمام دكان وتظهر صورتين للشهيدين محمد علي كمان قبلان والسيد حسن نصر الله، معلقتين على براد للمشروبات. بيروت، لبنان. ٢٣ كانون الأول، ٢٠٢٤. (مصدر عام، فاطمة جمعة)
سيارة مدمّرة جراء العدوان الصهيوني على فتح الله، وتظهر خلفها صورة معلقة حديثًا للشهيد السيد حسن نصر الله. بيروت، لبنان. ٢٣ كانون الأول، ٢٠٢٤. (مصدر عام، فاطمة جمعة)
عنصر من الدفاع المدني يجلس مدخنًا سيجارته، يأخد استراحة من عمله في انقاذ الجرحى وانتشال جثامين الشهداء في العدوان على شارع فتح الله. البسطة، بيروت. ٢٥ كانون الأول، ٢٠٢٤. (مصدر عام، فاطمة جمعة).
جنود من الجيش اللبناني وعنصر من الدفاع المدني يقفون أمام المبنى المستهدف في شارع فتح الله. بيروت، لبنان. ٢٣ كانون الأول، ٢٠٢٤. (مصدر عام، فاطمة جمعة)

فاطمة صلاح جمعة

فاطمة صلاح جمعة هي مصورة وصانعة أفلام لبنانية.

المشهد الثامن: سماء بيروت

ظننت لوهلةٍ أنّ الغارة الإسرائيلية قد ضربت حواسي كلّها. يرتجف جسدي، فتطبع أصابعي بشكل تلقائي رسائل اطمئنان لكل اسم يمرّ في خاطري. تُصَمّ أذناي لبعض الوقت، ثم يصدح ضجيج العالم دفعة واحدة: الـmk، سيارات الإسعاف، صوت أمي وأقاربي، ثم صمت مدوٍّ… فألوذ بعينيّ إلى السماء.

لم تكن السماء الملجأ الذي عهدته في تلك الليلة، كانت حمراء قانية وكأنّها مشهدٌ خياليّ تحذّرنا من إطالة التحديق وتجبرنا ألوانها القاسية على إعادة النظر في الواقع. لعلّ الساعات التي تلت الغارة كانت الأطول، مرّت بطيئًا ما بين انتشال جثامين الضحايا وإنقاذ الجرحى وإعلان أسماء الشهداء والبحث عن بقايا ذكريات… ريثما ترجع السماء التي تعودنا عليها.

شاحنات فوج الإطفاء في بلدية بيروت تحت سماء الحمراء النارية عقب العدوان الصهيوني الأميركي على منطقة مار الياس. مار الياس، بيروت. ١٧ تشرين الثاني، ٢٠٢٤. (فاطمة جمعة، مصدر عام)
عناصر من فوج الإطفاء والدفاع المدني أمام المتاجر المدمرة والمحترقة نتيجة الغارة الإسرائيلية على مار الياس في العاصمة اللبنانية. مار الياس، بيروت. ١٧ تشرين الثاني، ٢٠٢٤. (فاطمة جمعة، مصدر عام)
ثلاثة عناصر من الدفاع المدني أثناء عملهم على إنقاذ الجرحى وجثامين الشهداء بين المحال والطوابق السكنية المدمرة والمحترقة والمتضررة، ينظرون إلى غيمة حمراء من الدخان الكثيف والنيران ممتدّة. مار الياس، بيروت. ١٧ تشرين الثاني، ٢٠٢٤. (فاطمة جمعة، مصدر عام)
شاحنة فوج الإطفاء في شارع مار الياس التجاري. مار الياس، بيروت. ١٧ تشرين الثاني، ٢٠٢٤. (فاطمة جمعة، مصدر عام)
رجل من فرق الدفاع المدني يتّكئ لهنيهة على سيارة ويلتقط أنفاسه خلال عملية الإنقاذ للجرحى والشهداء في شارع مار الياس عقب الغارة الصهيونية الهمجية. مار الياس، بيروت. ١٧ تشرين الثاني، ٢٠٢٤. (فاطمة جمعة، مصدر عام)

فاطمة صلاح جمعة

فاطمة صلاح جمعة هي مصورة وصانعة أفلام لبنانية.

المشهد السابع: النزوح

خلال زيارتي لمراكز النزوح، أشهدُ تحول المباني البيضاء إلى بيوت صغيرة ومؤقتة. في كل غرفة، عائلة نازحة مع قهرها وأحلامها… يجتمع أهل البقاع والجنوب والضاحية في طابق واحد، فتقترب تولين من الناقورة، وتصبح بعلبك المدينة جارة حيّ السلم. تتشارك النساء المونة وأغراض "التعزيل" كما تتشاركن ذاكرة النزوح الأول والثاني، وحشة الحرب، الاشتياق للتراب والحجر، وسجائر السيدرز!

صورة من مجمّع بير الحسن الذي تحوّل إلى مركز للنزوح، تظهر فيها eثياب المهجّرين المغسولة بأيدي الأمهات معلّقة على مقاعد الدراسة أمام شبّاك داخل أحد الصفوف. بيروت، لبنان. ٣ أكتوبر، ٢٠٢٤. (مصدر عام/ فاطمة جمعة)
صورة من مركز النزوح في مجمع بير الحسن، تظهر فيها شبابيك الصفوف الدراسية معلّقة عليها ثياب المهجّرين. بيروت، لبنان. ٣ أكتوبر، ٢٠٢٤. (مصدر عام/ فاطمة جمعة)
امرأة تدخّن سيجارتها في أحد الصفوف الذي تحوّل إلى بيت مؤقت داخل مركز النزوح في مجمّع بير الحسن. بيروت لبنان. ٣ أكتوبر، ٢٠٢٤. (مصدر عام/فاطمة جمعة)

فاطمة صلاح جمعة

فاطمة صلاح جمعة هي مصورة وصانعة أفلام لبنانية.

المشهد السادس: الصراط

استهداف مبنى قناة الصراط والخوف من الدعاء.

لا تزال الحاجّة والدتي من "مكانها الجديد" الذي تأبى أن تسميه منزلًا، تتابع قناة الصراط. نستيقظ على دعاء الصباح ونغفو على مبارزة صوتية بين المسيّرة من الخارج وصوت الدعاء في الداخل. 

كنت أتابع هذه القناة خلال شهر رمضان وأنتظر العد العكسي لموعد الإفطار. أما الآن، فأنتظر سماع دويّ القصف على الضاحية، أحيانًا بعد إعلان العدو وأحيانًا دون ذلك، باتت بيوتنا منشآت حربية يحقّ له تفجيرها!

ومع أول قصف لمؤسسة إعلامية لبنانية، دمّرت طائرات الاحتلال في ٢ تشرين الأول، ٢٠٢٤، مبنى قناة الصراط، وهي قناة دينية ثقافية مقرّها في الضاحية الجنوبية. 

أمام هذا الدمار، أسأل: هل تسمعنا المسيّرة كما نسمعها نحن؟ هل تسمع أصوات الدعاء من قناة الصراط؟ من هذا العدو الذي يخاف صوت الدعاء حدّ التدمير؟

صورة تظهر الصحافيين يصوّرون يافطة رُفعت فوق ركام مبنى قناة الصراط الثقافية في الضاحية الجنوبية عقب الاستهداف الصهيوني الهمجي. يُقرأ على اليافطة: "لن تسقط لنا راية" بجانب صورة السيد الشهيد حسن نصر الله. الضاحية الجنوبية، لبنان. ١ تشرين الأول، ٢٠٢٤. (مصدر عام/ فاطمة جمعة)
صورة للفرق الصحفية أثناء الجولة الإعلامية إلى مبنى قناة الصراط الثقافية عقب الاستهداف الصهيوني الهمجي. الضاحية الجنوبية، لبنان. ١ تشرين الأول، ٢٠٢٤. (مصدر عام/ فاطمة جمعة)
صورة تظهر يد رجل يحمل مفتاح عقب الاستهداف الصهيوني الأول على مبنى قناة الصراط الثقافية في الضاحية الجنوبية. ١ تشرين الأول، ٢٠٢٤. (مصدر عام/ فاطمة جمعة)

فاطمة صلاح جمعة

فاطمة صلاح جمعة هي مصورة وصانعة أفلام لبنانية.

المشهد الخامس: الضاحية

الضاحية، ذكريات و"دوكترين" 

صراخ سائقي فان رقم ٤، تمتمات وأحاديث الناس العائدين إلى بيوتهم بعد مجالس عاشوراء في الباحة، خطاب السيد من كل دكان وبيت، ضحكات الأولاد، أناشيد المضائف، والصمت في روضة الشهداء بعد كل تشييع... هذه بعض من إجابات أصدقائي وعائلتي حين أسألهم عن أجمل ذكرياتهم في الضاحية.

منذ ٣٠ تموز، يستهدف العدوان الاسرائيلي بوتيرة شبه يومية الضاحية الجنوبية لبيروت، بعد حرب تموز ٢٠٠٦، بات اسم الضاحية مرتبط باستراتيجية إسرائيلية تقوم على توجيه ضربات واسعة النطاق للمناطق التي تعتبر داعمة للمقاومة بهدف خلق ضغط سياسي عبر إلحاق خسائر مادية للبيئة الحاضنة للمقاومة في لبنان.

لقد تغيرت ملامح حيّ الطفولة للأبد، تدمّرت الأبنية التي سكنها جيراني ولن تعود كما كانت، وقد لا يبقى منزلي أيضًا! لم تكن العمارات التي رمّدَتها إسرائيل مجرّد حجارة جامدة في حياتنا اليومية، بل كانت نبضًا حيًّا نعيش فيه، ولكنّني أشكّ في قدرة الصواريخ على تدمير الصراخ والهمسات والأحاديث والأناشيد والصمت. 

كل تكنولوجيا العالم لا تستطيع اغتيال الأصوات.

صورة تظهر يافطة مرفوعة في الضاحية الجنوبية عقب الاستهداف الصهيوني الهمجي، يُقرأ عليها: "فكأن الدنيا لم تكن، وكأن الآخرة لم تزل، والسلام". الضاحية الجنوبية، لبنان. (مصدر عام/ فاطمة جمعة)
صورة تظهر شجرة خضراء نضرة وسط الدمار في الضاحية الجنوبية. الضاحية الجنوبية، لبنان. (مصدر عام/ فاطمة جمعة)
صورة تظهر المباني المدمّرة في الضاحية الجنوبية. الضاحية الجنوبية، لبنان. (مصدر عام/ لبنان)
صورة تظهر يافطة عُلّقت في حي من أحياء الضاحية الجنوبية المدمّرة نتيجة القصف الصهيوني الهمجي، يُقرَأ عليها: "صُنع في أميركا وربيبتها "إسرائيل". الضاحية الجنوبية، لبنان. (فاطمة جمعة/ مصدر عام)

فاطمة صلاح جمعة

فاطمة صلاح جمعة هي مصورة وصانعة أفلام لبنانية.

المشهد الرابع: ميس الجبل

رحلة إلى ميس الجبل

إنّ الضربة التي ادّعى العدو أنّها استهدفت كبار قادة المقاومة حصرًا في الضاحية الجنوبية لبيروت، يوم العشرين من شهر أيلول المنصرم أدّت إلى تدمير مبنى سكني واستشهاد ما لا يقلّ عن ٥١ مدني وإصابة ٧٧ آخرين.

في قرية ميس الجبل، صوّرتُ تشييع سبعة أفراد استشهدوا في مسكنهم في الضاحية، لم أدرك حينها أنّ الحرب التي أعلنت من سنة، قد بدأت الآن، والتشييعات العديدة التي تقام لا سبيل لتوثيقها وإحصائها كلّها. 

تنتهي مرحلة البرزخ وقد أصبحت كل القرى ساحةً للمعركة، نأتمن شبابنا على أغلى ما نملك، وننزح قسرًا.

أسماء شهداء ميس الجبل: الطفلة فاطمة أحمد حمدان، الطفلة مرام قاسم حمدان، القائدة الكشفية آية حسين حمدان، الكشفي علي محمد حمدان، محمد حسين شقير، جميلة حسن الأخرس.

فتيات يحملن صور شهداء ميس الجبل الذين ارتقوا في ضربة الضاحية الجنوبية التي ادّعى العدو استهداف كبار قادة المقاومة الإسلامية ونتج عنها مجزرة مهولة. ميس الجبل، لبنان، ٢١ أيلول، ٢٠٢٤. (فاطمة جمعة/ مصدر عام)
فتاة تحمل صورة شهيدة من ميس الجبل من الذين ارتقوا في ضربة الضاحية الجنوبية التي ادّعى العدو استهداف كبار قادة المقاومة الإسلامية ونتج عنها مجزرة مهولة. ميس الجبل، لبنان، ٢١ أيلول، ٢٠٢٤. (فاطمة جمعة/ مصدر عام)
شبان من الهيئة الصحية الإسلامية يحملون نعوش رفاقهم الذين ارتقوا في ضربة الضاحية الجنوبية التي ادّعى العدو استهداف كبار قادة المقاومة الإسلامية ونتج عنها مجزرة مهولة. ميس الجبل، لبنان، ٢١ أيلول، ٢٠٢٤. (فاطمة جمعة/ مصدر عام)
فتيات يحملن صورة الشهيدة الحاجة جميلة الأخرس من الذين ارتقوا في ضربة الضاحية الجنوبية التي ادّعى العدو استهداف كبار قادة المقاومة الإسلامية ونتج عنها مجزرة مهولة. ميس الجبل، لبنان، ٢١ أيلول، ٢٠٢٤. (فاطمة جمعة/ مصدر عام)
نساء في مقبرة ميس الجبل المدمرة عقب استهداف العدو الصهيوني للبلدة، وهي الصورة الأخيرة التي التقطتها عدسة المصورة في الجنوب قبل التهجير الجماعي الكبير. ميس الجبل، لبنان. ٢١ أيلول، ٢٠٢٤. (فاطمة جمعة/ مصدر عام)

فاطمة صلاح جمعة

فاطمة صلاح جمعة هي مصورة وصانعة أفلام لبنانية.

المشهد الثالث: القائم

أروي الحكاية كما عشتها ليلة الجمعة، يوم العشرين من شهر أيلول قرابة الساعة الثالثة والنصف، في بيتي الكائن على الطبقة الخامسة بالقرب من مجمّع القائم... يتهيّأ لي أنّي أسمع أصوات الصواريخ، ثم أتأكد أنّي بالفعل قد سمعت أربعة!

لقد أغار الطيران الإسرائيلي على مبنى سكني مؤلف من سبعة طوابق، فدمّره بالكامل. ثم أطلق الصاروخ الثاني على الطوابق السفلية لمبنى ملاصق.

في تلك الليلة، تجمّدت في مكاني، لم أكن أريد أن أرى ما سمعت.

عنصر من الدفاع المدني يرفع شارة النصر عقب مجزرة القائم. الضاحية الجنوبية، لبنان. ٢١ أيلول، ٢٠٢٤. (فاطمة جمعة/مصدر عام)
فرق الدفاع المدني تحاول إنقاذ ما يمكن إنقاذه عقب مجزرة القائم. الضاحية الجنوبية، لبنان. ٢١ أيلول، ٢٠٢٤. (فاطمة جمعة/ مصدر عام)
بدلات الدفاع المدني تظهر على السيارات المتضررة عقب مجزرة القائم. الضاحية الجنوبية، لبنان. ٢١ أيلول، ٢٠٢٤. (فاطمة جمعة/ مصدر عام)
لعبة طفلة وُجدَت بين الركام عقب مجزرة القائم. الضاحية الجنوبية، لبنان. ٢١ أيلول، ٢٠٢٤. (فاطمة جمعة/ مصدر عام)

فاطمة صلاح جمعة

فاطمة صلاح جمعة هي مصورة وصانعة أفلام لبنانية.

المشهد الثاني: اللاسلكي

عقب هجوم البيجر الذي وقع يوم الاثنين في السابع عشر من أيلول، حضرتُ تشييع الشهداء الطفل محمد بلال كنج ذي الأعوام العشر ومحمد حسين نور الدين وعباس فاضل ياسين ومحمد مهدي عمار. خلال مراسم التشييع اندلعت موجةٌ جديدةٌ من انفجارات الأجهزة اللاسلكية.

رأيت في تلك اللحظة بأمّ العين ما قد سمعت عنه بالأمس: الانفجار والفوضى والخوف والجرحى والنساء... كلّهم أمامي.

Two veiled women stand facing the camera, other women stand behind them. All are wearing black.
Three women in black carry baskets full of rose petals at a funeral. In the background are other funeral-goers, carrying photos of the martyred and flags.
Men hold up a casket at a funeral.
An elderly woman holds a photo of a martyred man.

فاطمة صلاح جمعة

فاطمة صلاح جمعة هي مصورة وصانعة أفلام لبنانية.

المشهد الأول: البيجرات

دأبت فاطمة جمعة المصوِّرة وصانعة الأفلام، ابنة تراب قرية حومين العاملية ومن أهل ضاحية بيروت الجنوبية، على توثيق مراسم تشييع الشهداء في جبل عامل والضاحية طيلة عام من انطلاق جبهة الإسناد لغزة مرورًا بيوميات الحرب على لبنان منذ اتساعها واشتدادها منتصف أيلول الماضي.

فيما يلي، تطلق مصدر عام سلسلة من المذكّرات والشهادات والتوثيقات تصدر تباعًا، حول الحرب الصهيونية القائمة.


ماذا بعد أن نرى؟ ماذا بعد الصورة؟ أسأل نفسي فيما نشهدُ شتاتًا عميقًا لهول ما رأيناه في غزة، ماذا يعقب الرؤية؟ وما الذي يتوجب علينا فعله بعد أن نرى؟ لا أملك إجابة، لكنّني أعلم أنّ من يقتصر عمله على الرؤية، دون سواها، لا بدّ أن يعميه المشهد.

في هجوم هو الأوّل من نوعه في تاريخ الحروب الحديثة، استُشهِد ما لا يقلّ عن ٣٧ شخصًا، وأُصيب أكثر من ثلاثة آلاف آخرين في جنوب لبنان والبقاع والضاحية الجنوبية للعاصمة بيروت، على إثر تفجير العدو الإسرائيليّ لأجهزة اتصال في ما بات يُعرَف بمجزرة البيجر.

يوم ١٧ أيلول، عند منتصف الليل، من أمام مستشفى الجامعة الأميركية في بيروت، يَدا الأمُّ تنتظران خبرًا يطمئنُها أنّ ابنها سيبصر!

يوم ١٧ أيلول، عند منتصف الليل، من أمام مستشفى الجامعة الأميركية في بيروت، يَدا الأمُّ تنتظران خبرًا يطمئنُها أنّ ابنها سيبصر!

 

يوم ١٨ أيلول، يدَا الزوجة تدلّني على آثار انفجار جهاز البيجر في بيتها.

يوم ١٨ أيلول، يدَا الزوجة تدلّني على آثار انفجار جهاز البيجر في بيتها.

 

يد الجريح.

يدُ الجريح.

فاطمة صلاح جمعة

فاطمة صلاح جمعة هي مصورة وصانعة أفلام لبنانية.